للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غير توفيق إلى الوضوح فقدم هذا الشرح بين يديها وجعل شعره أشبه بالمتون منه بالشعر حقاً.

إن الذين يقرءون شعر العقاد ويذوقونه هم المثقفون المستنيرون، الذين تعودا أن يقرءوا الشعر وأن يفهموه، وأن يقرءوا شعراً أصعب من شعر العقاد وأشد منه إمعاناً في الغموض، فيستطيع العقاد أن يحسن بهم الظن وان يخلي بينهم وبين شعره ليفهموه كما يريدون وكما يستطيعون. وليسس على العقاد بأس أن يفهم شعره أحياناً على غير ما أراد هو فمن يدري. لعله أن يكون هو مخطئا وأن يكون قارئه مصيباً، ومن يدري لعله يعود إلى شعره يقرأه فيفهم منه غير ما كان أراد، قد يكون هذا عيباً في النثر ولكنه مزية من مزايا الشعر الرائع، ولو أن لي أن اقترح على العقاد لطلبت إليه أن يلغي هذه الشروح الفلسفية في الطبعة الثانية من هذا الديوان، إن لم تكن قد تمت. فأني اعلم أن الطبعة الأولى قد نفذت منذ حين.

ولست أدري لما لا أريد أن أقف، وأن أختم هذا الحديث دون أن آخذ العقاد بملاحظة أخرى أود أن يقدرها ويفكر فيها، وهي: أن التجديد في الشعر يتناول الألفاظ ويتناول المعاني من غير شك، ولكنه خليق أن يتناول الوزن أيضاً فلكل نفس مذهبها في التفكير، ومذهبها في التعبير، ولكلل نفس موسيقاها أيضاً. وإذا صدق هذا بالقياس إلى الأفراد فهو صادق بالقياس إلي الأجيال. والعقاد يعلم إن كل نهضة في الشعر خليقة بهذا الاسم تستتبع تغييرا في الوزن، واستحداثاً لفنون جديدة من التوقيع. كان ذلك في شعرنا العربي في الشرق وفي الأندلس. وكان ذلك في غير شعرنا من الأمم، وكنت أحب أن يكون ذلك في شعرنا الحديث، وكنت احب أن يكون العقاد من السابقين اليه، ولست يائسا من ذلك فان العقاد رجل خصب النفس قوي الحس دقيق الشعور واخلق بمن تجتمع له هذه الخصال، ويكون له معها خيال قوي بعيد المدى أن يجدد في الشعرفيحسن التجديد، وان يتجاوز التجديد في الألفاظ والمعاني إلي التجديد في الأوزان والقوافي.

اعترف بأني قرأت وحي الأربعين مرتين وأني أود لو أقرأه مرة ومرة، وأني واثق بأني سأجد في قراءته المقبلة من اللذة والمتاع ما يجعلني فيها راغبا وعليها حريصاً.

أهي المصادفة التي أردت أن أتحدث عن العقاد وعن هيكل في مقال واحد، أم هو تشابه

<<  <  ج:
ص:  >  >>