في باب الاتفاقات الإقليمية وهو الأرجح، فان ميثاق العصبة لا يمكن أن يؤثر على نصوص معاهدة سنة ١٨٨٨. ونظرية مونرو كما نعلم هي قاعدة السياسة الأمريكية، وبمقتضاها تعتبر الولايات المتحدة الأمريكتين منطقة نفوذ معنوي خاص، لا يصح أن تمتد إليها يد أية دولة أوربية بالتدخل في شؤونها أو محاولة بسط نفوذها الاستعماري على أي جزء من أجزائها، وألا اعتبرت هذه المحاولة عملاً عدائياً موجهاً إلى الولايات المتحدة ذاتها. وكما أن النص هنا صراحة على استثناء نظرية مونرو الأمريكية قد وضع نزولاً على رغبة السياسة الأمريكية، صاحبة الفكرة الأصلية في إنشاء عصبة الأمم، فكذلك قد يكون النص على استثناء الاتفاقات الإقليمية هنا تحقيقاً لرغبة السياسة البريطانية؛ وهي قد أصرت على اعتبار قناة السويس منطقة إقليمية تعلق عليها أهمية خاصة أولاً في تصريح فبراير سنة ١٩٢٢ حيث احتفظت بمسالة المواصلات الإمبراطورية، وثانياً في التبليغ الذي اقترن بهذا التصريح إلى الدول، وفيه تعتبر أن التدخل في أمر العلائق المصرية الإنكليزية يعتبر عملاً غير ودي بالنسبة لإنكلترا
على أن المعاهدات والنصوص وحدها لا تكفي، وهنالك الجانب العملي؛ واحترام هذه النصوص يتوقف دائماً على الظروف والاتجاهات السياسية. فمثلاً حينما قامت الحرب الروسية اليابانية سنة ١٩٠٤، وكانت إنكلترا تميل فيها إلى جانب اليابان، لم تسمح إنكلترا بفتح قناة السويس في وجه الأسطول الروسي المسافر إلى الشرق الاقصى، واضطر هذا الأسطول أن يطوف حول إفريقية، وان يسير إلى الصين من طريق رأس الرجاء الصالح، وكان هذا السفر الطويل من عوامل إنهاكه وهزيمته بعد ذلك في موقعه تسوشيما (سنة ١٩٠٥) وخسران روسيا للحرب، هذا مع أن روسيا إحدى الدول الموقعة على معاهدة سنة ١٨٨٨ كما قدمنا. وفي الحرب الكبرى لم تحترم حيدة القناة ولم تحل المعاهدة الدولية دون تحصينها وإغلاقها في وجه الدول المعادية لإنكلترا ودول الحلفاء؛ وقد استأثرت إنكلترا وحلفاءها أثناء الحرب باستعمال القناة؛ ومن جهة أخرى فان ألمانيا وتركيا لم تحترما من جانبهما حيدة القناة؛ ونظمتا سنة ١٩١٥ أكثر من هجوم محلي على مصر من جهة القناة، وضربت شواطئها بالقنابل المخربة؛ واستمرت طوال الحرب منطقة حربية محضة تستأثر إنكلترا بالإشراف عليها