الفلسفة والتصوف والعلوم، وكان الشيخ في الفلسفة الإسلامية منقطع النظير
وطالما حضر هذا الدرس جلة علماء دمشق ومن يزورها من علماء الأقطار، فخرجوا معجبين مُكْبرين؛ وطالما حضره الأطباء والمحامون وأهل الفلسفة والطبيعة، فخرج كل وقد امتلأ وطابه من وسائل الفن الذي يشتغل به، أو العلم الذي انقطع إليه
وكان يمضي الدرسان والثلاثة ولم يتعد الشيخ شرح حديث واحد
ولم يكن يرد سائلاً، أو طالب علم؛ وكان يوليه ما شاء من وقته ووجهه؛ وكان إذا استفتى قال للسائل، أنظر كتاب كذا، وكتاب كذا؛ وربما دله على الصفحة التي يجد فيها المسألة، لا يحب أن يفتيه هو
وكان يصوم الدهر، فإذا كان المساء أكل ما قدم إليه، ولم يعرف عنه في سفر ولا حضر أنه اشتهى طعاماً أو كرهه إلا مرة كان في سفر، فقيل له: ما نطبخ؟ فقال: ما شئتم!
قالوا: عندنا بامياء وفول وعدس. . . .
قال: هل قلتم إن عنكم فولاً؟
ففهموا أنه يشتهيه، ولم يرو عنه في هذا الباب أكثر من هذا. ولم يكن يشتم رجلاً أو يغتابه، ولم يكن يدع أحداً يغتاب في مجلسه وكان غاية تأنيبه إذا غضب أن يقول:
- (يابا - وكانت تلك كلمته - لماذا أنتم هكذا؟)
تواضع لله، فأناله الله رفعة ما أنالها سلطاناً ولا ملكا، وانصرف عن الدنيا فأقبلت عليه الدنيا، ودر عليه المال فما مسه ولا مد إليه يداً، واعتزل الناس ورغب عن الجاه، فأقبل عليه الناس، ورغب فيه الجاه، فما غيره ولا أقام للجاه وزناً، وابتعد عن الحكام، فتزلف إليه الحكام، ووضعوا بين أيديه دنياهم فما حاد عن دينه ولا رزأهم دنيا، ولا كتمهم نصحاً. . .
عاش فكانت حياته أعظم حياة، ومات فكان موته أفخم موت. وكيف لا يكون فخما، وقد كان الشيخ دولة وحده، وقد كان تاريخاً، وقد كان مجموعة كاملة من الفضائل كلها، تأكل وتشرب وتمشي؟
رحمك الله يا أيها الإمام العالم العظيم، ورزق دمشق الصبر على فقدك، وعوض منك المسلمين خيراً. . . .