وانظر إلى هذه القطعة أيضاً لأبي المطرف بن عميرة يقف فيها موقف اليائس البائس يمتنع حتى عن الاستسقاء لبلاده، ويتساءل في حزن وحقد كيف يمكن أن يدوم وداده لهذه الديار، التي ألقت بطاعتها للأغيار:
زدنا عن النائبين عن أوطانهم ... وإن اشتركنا في الصبابة والجوى
أَنا وجدناهم قد استسقوا لها ... من بعدما شطَّت بهم عنها النوى
ويصدنا عن ذاك في أوطننا ... مع حبها، الشِّركُ الذي فيها ثوى
حسناء! طاعتها استقامت بعدنا ... لعدونا، أفيستقيم لها الهوى؟
وله أيضاً يشير إلى انتقاله من بلد إلى بلد لاستيلاء العدو على البلاد واحدة فواحدة، من قصيدة طويلة:
كفى حزناً أنَّا كأَهلِ مُحَصَّبٍ ... بكل طريق قد نفرنا وننفر
واستمع إلى هذين البيتين اللذين قيلا في أهل بلنسية، وما أكثر انطباقهما علينا اليوم:
لبس الحديدَ إلى الوغى ولبستمُ ... حلل الحرير عليكمو ألوانا
ما كان أقبحهم وأحسنكم بها ... لو لم يكن ببَصَرْنَهٍ ما كانا!. .
ولابن الأبار من قصيدة طويلة يخاطب بها السلطان أبا زكريا ابن أبي جعفر صاحب أفريقية:
أدرك بِخَيْلك خيلِ الله أندلسا ... إن السبيل إلى منجاتها درسا
وهب لها من عزيز النصر ما التمست ... فلم يزل منك عز النصر ملتمسا
يا للجزيرة أضحى أهلها جَزراً ... للحادثات وأمسى جدّها تعسا
في كل شارقة إلمام بارقة ... يعود مأتمها عند العدا عُرُسا
يا للمساجد عادت للعدا بِيَعاً ... وللنداء غدا أثناءها جرسا
لهفي عليها إلى استرجاع فائتها ... مدارساً للمثاني أصبحت دُرُسا
وقصائد الاستنجاد بملوك العدوة كثيرة، يستدعي إيرادها أو الإشارة إليها فصولاً، ولكن لا بأس بإيراد شيء من قصيدة في هذا المعنى لإبراهيم بن سهل الإسرائيلي، وهي كافية للدلالة على قوة العاطفة الوطنية عند أهل الأندلس، لأن هذا الجنس من الناس ملموزٌ بضعف هذه العاطفة، فصدور هذه القصيدة عن فرد منه دليل على ما قلنا: