للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولقائل أن يقول إن مثل هذه الأحوال قد صار في بلاد المشرق ولا سيما في عهود الحروب الصليبية يوم سلبت من الإمبراطورية العربية أثمن درة في تاجها: مصر وبلاد الشام، ومع ذلك فلم تتفق قرائح الشعراء هناك بالشعر الوطني ولم يظهر منهم من جال في ذلك الميدان، فما السبب في ذلك؟ لعل للعجمة التي كانت قد بدأت تعقل اللسان العربي في ذلك العهد من جراء ظهور سلطان الأعجام في بلاد العرب وضعف الإنتاج الأدبي تبعاً لذلك، تأثيراً مباشراً في عدم ظهور هذا النوع من الشعر في بلاد الشرق وإن وجدت البواعث. على أن هذه الأحوال وإن لم تبعث على قول الشعر الوطني كانت السبب في ظهور فن من فنون الأدب لا يقل خطراً عن الشعر مطلقاً وهو فن القصص، فان من المعلوم أن كثيراً من هذه القصص الحماسية كعنترة وسيف بن ذي يزن وغيرها إنما وضعت في هذا العهد الصليبي، وفي مصر بالخصوص، لتضرب للناس أمثلة من الشجاعة العربية يخلق بهم أن يحتذوها في صد هجمات المغيرين من ذئاب الغرب على بلاد الإسلام، وهي وإن كانت عامية التأليف تدل على أن المشرق لم يقف واجماً بازاء تلك الحوادث الكبرى وإن لم يهتد إلى الشعر الوطني كما اهتدت إليه الأندلس!

ونقفك الآن على نماذج من الشعر الوطني الأندلسي لترى أنه لا يكاد يتميز عن الشعر العصري الوطني في وصف من الأوصاف. ولا ننقل لك شيئاً من قصيدة صالح بن شريف الرندي في رثاء الأندلس، وإنما نشير إليها فأنها شهيرة لا تخفى على تلاميذ المدارس الابتدائية الإسلامية!

فانظر إلى هذه القطعة للأديب أبي عبد الله الفازاني يصف فيها الفوضى الغاشية على بلاد الأندلس وتخاذل أهلها عن الدفاع عنها بل وإعانة الأعيان منهم على خرابها! ويستشف من الغيب المآل الذي تؤول إليه إن دامت على تلك الحال، فيسأل الله تعالى أن يلطف بعباده ويرحمهم:

الرُّوم تضربُ في البلادِ وتغنمُ ... والجورُ يأخذُ ما بقى والمغزمُ

والمالُ يورد كله قشتالةً ... والجند يسقط والرعيةُ تسْلَمُ

وذوو التعيش ليس فيهمُ مسلمٌ ... إلا معين في الفساد مُسَلِّم

أسفي على تلك البلاد وأهلها ... الله يلطفُ بالجميع ويرحم

<<  <  ج:
ص:  >  >>