الكاظمي سبقاً أنه بذ المتأخرين ومعظم المتقدمين في ارتجال الشعر من غير كلفة في أي غرض، تستقيد له شوارد القوافي بديهة حاضرة، وذاكرة نادرة، وحافظة وعيت من شعر الأولين عيونه، وما أجدر شاعرنا أن يكون لسان حاله ما قال (ابن هانئ الأندلسي) عن نفسه:
ما ضرني إن لم أجئ متقدماً ... السبق يعرف آخر المضمار
وإذا اغتدى ربع البلاغة بلقعاُ ... فلرب كنز في أساس جدار
وكما كان الكاظمي السابق في حلبة البيان، كان كذلك علو كعب في ميدان الجهاد والإصلاح. عرفت منه هذه النزعة وهو طرير لم يكتهل، وغرير لم يعجم حوادث الزمان، فكان صوته في الإصلاح يرن في مجتمعات بغداد، ولكنه كان قليل العائدة، حتى قدم الزوراء إذ ذاك رجل الإصلاح المشهور (الشيخ جمال الدين الأفغاني) فوجد شاعرنا فيه ضالته، فكان من أشياعه، فضاقت عليه البلاد بما رحبت، وقذفت به نوى شطون، شرق فيها وغرب، حتى احتضنته (مصر)؛ فألقى بها عصاه
وبوادي النيل الجميل حيث القوة تصارع الحق، والظلم يناهض العدل، والحرية تنتحب، يأبى الكاظمي إلا الصدع بالحق، فيقارع الاستعمار، ويتغنى بالحرية، ويشيد بمجد العرب الضائع، حافزاً للأبناء على استرداد ذلك المجد؛ وخلصت له في مصر صفوة ممتازة من أعلام البيان وقادة الفكر وزعماء الأمة، عرفوا له فضله، فصدقوه الولاء، وأحلوه السويداء. واستوثقت الصلات بينه وبين (الوفد المصري) فكانا لساناً من ألسنته مشرعاً لا ضد حزب من الأحزاب، ولكن ضد سياسة الاستعمار فحسب. . .
عرفت الشيخ الكاظمي أول هبوطي مصر (عام ١٩٢٩) فكنت أسأل عنه من أتعرف إليهم، حتى أرشدني (محرر بالأهرام) إلى داره في (مصر الجديدة) فذهبت إليه في لمة من الإخوان، جئنا إليه من بلده، ومسقط رأسه. فما كان أشد ابتهاجه بنا، وطربه بمقدمنا، لقد استعاد بتلك الزيارة ذكريات ماضيه حلوة في العراق. فكان رحمه الله يحدثنا عن أيامه تلك بشوق وإقبال ليس فوقهما مزيد
وقد كانت داره مصاقبة لدار أستاذنا المرحوم (الشيخ عبد المطلب) وكانت بينهما صلة وثيقة، وصداقة قل أن تعرف بين الأصدقاء، فكنت أقصد (مصر الجديدة) في الغالب لزيارة