للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشيخين وتجديد العهد بهما؛ فأقضي ساعات هي أمتع ما تكون للنفس، وأشهى ما يلذ للعقل، ويقرأ عليّ شاعرنا ما استجد له من شعر

ما أنس لا أنس تلك الأيام السعيدة التي كنت أخرج فيها مولياً وجهي شطر (هليوبوليس) يحدوني الشوق إلى تلك العبقرية الفياضة، والصفحة النادرة، والشخصية الفذة، فأجلس إلى الشاعر، أتلقف من حكمته، والتقط من درر فوائده وجواهر فرائده، وشاعرنا محدث كما هو شاعر، يهدر كالسيل إن أفاض في الحديث، يصله ببعضه، ويزن مجلسه بطرائف الأخبار، وروائع الحكم، وأوابد الملح والمفاكهات؛ فلا تكاد تسأم له لهجة، ولا تمل منه لغة. وكان - رحمه الله - حريصاً على أن يكشف لنا عن صفحات القضية العربية في عهدها الأخير ويجردها بغير طلاء، ويجلو لنا حقائق التاريخ ناصعة غير مموهة، ويبعث فينا من روحه لمواصلة العمل والجهاد. . .

لقد كان شاعرنا ذخراً لأمته، ولكنه كان مضاعاً تنكر له وطنه الأول كما تنكر له دهره، وظل وفياً لهذا الوطن يلاحي عنه بمهجته، على حين لم يجد منه طوال حياته غير الجفاء ونكران الجميل، ظل وفياً له حتى قضى نحبه. فلما قضى نحبه جئنا بعده نذرف الدمع عليه نادمين. . .

فاذهب كما ذهب الوفاء فإنه ... عصفت به ريحاً صبا ودبور

(بغداد)

كمال إبراهيم

خريج دار العلوم

<<  <  ج:
ص:  >  >>