ولكن الفتاة كانت أقوى منه. . لقد أحبته حباً صادقاً، والمرأة إذا أحبت فعلت المستحيل في سبيل سعادة من تحب. . . لقد عجز عن السير في طريق التضحية الشائك، فلتحمله هي على كتفيها غير آبهة بالأشواك تمزق ثياب راحتها، وتسيل دماءها. ولقد أعماه الحب عن الواجب، فلتفتح بأناملها الرشيقة عينيه، وتوقظ شهامته ورجولته، وحسبهما سعادة بعد ذلك إنقاذ الأبوين الكريمين
ولكن كيف تقنعه بوجوب التضحية؟ حدثتها نفسها أن توهمه أنها تحب غيره، ولكنها رجعت عن تلك الفكرة الروائية التي فرضها (إسكندر ديماس) على المحبين، وعز عليها أن تلوث الحب العالي بمثل هذه الأفكار، وهو آخر ما تبقى لها من سعادة! وأشفقت على فتاها أن تنهدم المثل العليا أمامه فيجزع وربما جحد الفضيلة وأنكر الحياة! ثم فكرت في أن توهمه أن أباها يفرض عليها الزواج من غيره، ولكن هذا لن يفيد في إيقاظ نخوته وشهامته، وإذن فلتتقدم إليه في صراحة وحزم، لتعلنه أن حبها وقد تنزه عن الماديات، أضعف من أن يحتمل تبعة موت الأم الحنون، وجنون الأب الشيخ، وأنها تحبه إلى الدرجة التي تخشى عليه فيها من فقد احترامها له إذا قتل أمه بأنانيته. إنها تحبه، ولكنت هذا الحب نفسه هو الذي يفرض عليها أن تتنكر له إذا لم يؤدي واجبه كرجل وكابن، فإذا ما سألها عما ستفعله بنفسها بعده، أجابته في رفق حازم أن لا شأن له بها، وأن عليه أن يتزوج من ابنة عمه. . .
لها الله!! ما كان أنبلها وهي توصي حبيبها الذي انتزعته الأقدار منها بالرفق بابنة عمه وإسعادها وتمهيد الراحة لها؟!
لها الله!! ما كان أنبلها وقد وقفت تهمس في أذنه ألا يحدث أمه عن تضحيته، وألا يقدم إليها الدواء مسموماً بإشعارها أن حياتها أنقذت بهذا الثمن الغالي. . .
ما كان أنبلها وقد وفقت تبعده عنها أشد ما تكون حباً له وشغفاً به!!
من يدري؟! ربما كان هول الموقف قد شغلها عن النظر إلى الأفق البعيد، حيث تتجمع قطع الظلام ويتصل بعضها ببعض! وربما كانت تجهل أن انتزاع الكلمات التي حرضت بها الفتى على الزواج من ابنة عمه، أقسى وأشد إيلاماً من قطع لحمها وهي حية. . . ظنت نفسها سعيدة ساعة خضع الفتى لحكمها، وقامت تودعه وتشد على يده بكلتا يديها وهي