تحتفل إسبانيا بذكرى شاعرها الأكبر لوبي دي فيجا بمناسبة مرور ثلثمائة علم على وفاته، وفي الأدب الإسباني اسمان خالدان يفوقان في العظمة والبهاء كل اسم آخر: هما سير فانتس دي سافدرا، ولوبي دي فيجا، الأول في النثر والخيال الرائع، والثاني في الشعر؛ وقد عاشا في عصر واحد، ولكن سير فانتس دي سافدرا قد غدا اسماً عالمياً، وغدا أثره الشهير (الدون كيشوتي) أثر من أعظم الأثر العالمية، هذا بينما يبقى لوبي دي فيجا إسبانياً فقط وينحصر صيته وأثره في الأدب الإسباني، ولك لوبي دي فيجا يبذ من هذه الناحية مواطنه ومعاصره، فهو عميد الأدب الإسباني الحديث وأعظم أقطابه، وهي لوبي فيلكس دي فيجا، ولد بمدريد في ٢٥ نوفمبر سنة ١٥٦٢، وربى تربية عسكرية، وانخرط في سلك الجيش بادئ ذي بدء، وفي سنة ١٥٨٢ أشترك في الحملة التي بعثتها إسبانيا إلى جزائر الآزور، وبعد ذلك بأعوام أشترك في الحملة البحرية الكبرى التي جردتها إسبانيا لغزو إنكلترا وهي المعروفة بحملة (الأرمادا)، (سنة ١٥٨٨)؛ ثم أنتقل إلى الحياة المدنية، وعمل سكرتيراً للدوق آلفا (دوق إلبه) وزير فيليب الثاني الشهير، وأشتغل بعد ذلك سكرتيراً للمركيز ملبيكا. وفي سنة ١٦١٣ دخل الرهبنة وأنقطع للنظم والكتابة حتى وفاته في ٢٧ أغسطس سنة ١٦٣٥
كان لوبي دي فيجا شاعراً عبقرياً ومؤلفاً مسرحياً عظيماً؛ وكان يضطرم ابتكاراً وطرافة، وكان ينثر في شعره كل العواطف البشرية وضاءة ملتهبة من الحب والأسف والغيرة والأمل والحزن والطمع وطموح المجد؛ وكان شاعر الحقيقة في الوقت نفسه يتنقل بين مراحل الحياة البشرية؛ وكان أنيقاً في لفظه يتخير التعبير المنسجم، فيجمع نظمه بين الفلسفة الحية والخيال الساحر والبيان الرائع. وكان تقلبه في ميادين الحياة المختلفة، من الجندي، إلى الحياة المدنية، ثم إلى حياة الكنسية، من أكبر عوامل الخصب والتنوع في خياله؛ وكان يحب مسقط رأسه (مدريد) ويخصها ويخص مجتمعاتها بكثير من نظمه الممتع، بيد أن لوبي دي فيجا كان شاعر الخاصة، ولم يغز نفوس الكافة، ذلك لأنه كان يرتفع عن مستواهم في تفكيره وفي وحيه؛ أما معاصره وشريكه في الخلود، سير فانتيس، فقد كان أبعد صيتاً منه في نفوس الكافة، لأنه كان أكثر تنزلاً إليهم وأقرب إلى إفهامهم