أنه تراخي بعض الشيء، فأستعيض عن قتل الكافر بفرض جزية سنوية على شخصه؛ ومع ذلك لم يكن التعصب في الإسلام مدعاة تخريب وهدم، كما هي طبيعة التعصب، بل كان فوق ذلك مدعاة تشييد وبناء. ثم تدرج المؤلف إلى ذكر رأى هيجل في أن الإسلام كدين يبرر أعمال العنف والقوة لنشره، كما برر روبسبير أعمال العنف والقوة لبلوغ الحرية؛ وأن الفردية في الإسلام من التناقض بدرجة تجعل الحاكم الذي يبغي المجد والعظمة والسيطرة لا يتوانى في أن يضحي بها جميعاً في سبيل الدين، وقد لا يلبث إلا قليلاً حتى يستردها دون هوادة، وأن الخليفة عمر - على حد ما ذكره هيجل - هو الذي أمر بإحراق مكتبة الإسكندرية، بينما الخلفية المنصور كان يجمع العلماء في مجلسه ويغدق عليهم العطايا؛ وبحسن معاملته لهم أزدهر الأدب والعلم في أيامه. ثم ذكر بأن الحريات كانت مكفولة للناس كافة، لا فرق بين رجل وامرأة، ولا بين طبقة وأخرى، حتى كان الرجل من رعاع الناس يدخل على الخليفة في مجلسه فيحدثه مطمئناً عن كل ما يريد؛ ولكن عقب ذلك أعتكف الخلفاء والحكام في قصورهم وأبعدوا الشعب عنهم، فأنقلب الحال إلى الضد. ويرجع (هيجل) أسباب ذلك إلى أن التعصب الديني كانت قد بردت حرارته، فبدأت المفاسد تسود المجتمع، وأصبح الاستمتاع بملذات الحياة شهوة الناس في هذه الدنيا، ثم تراجع الإسلام كما يقول (هيجل) إلى أفريقيا وآسيا، ولم تطقه النصرانية إلا في ركن ضيق من أوربا. وتلاشى الإسلام كقوة مسيرة لتاريخ العالم. ويعترف هيجل بأن الغربيين أخذوا عن العرب مختلف العلوم والفنون والمعارف، وبخاصةً الفلسفة؛ ويقر فيلسوف الألمان أم الإسلام هو أكبر ظاهرة في تاريخ العالم
غير أن الأستاذ البهي يرى أن هيجل حكم على الإسلام من خلال أعمال بعض المسلمين، وكان الأولى به أن يرجع إلى مصادر الإسلام وهي: القرآن والحديث وما أجمع عليه الأئمة. وعاب على هيجل طريقته في البحث، وقال بأنه (أي المؤلف) لن يكون عادلاً في حكمه إذا ما نسب إلى الدين المسيحي عداءه للعلم ومحاربته لحرية الفكر، مستنداً في ذلك إلى بعض الحوادث التي منها:
(١) إعدام (حيباتيا) المصرية وكانت سيدة من أفذاذ العلماء الرياضيين، عام ٤١٥ ميلادية أثناء تعقب النصارى للفلاسفة