للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشيخ الإمام عبد القاهر في كتابيه (دلائل الأعجاز وأسرار البلاغة) وإلى ما تيسر النظر فيه من كلام غيرهما - فأستخرج من ذلك كله زبدته، وهذبه ورتبه حتى أستقر كل شيء منه في محله، ثم أضاف إلى ذلك ما أداه إليه فكره ولم يجده لغيره، فجمع بهذا أشتات هذه العلوم كلها، واستقامت له فيها هذه الطريقة البديعة التي فتن بها الناس بعده وجاراه فيها كل من كتب في علوم البلاغة الثلاثة إلى الآن

وهو يميل في مختصره (تلخيص المفتاح) إلى طريقة السكاكي في العناية بجمع القواعد دون إيراد الشواهد، ويميل في الإيضاح إلى الجمع بين طريقة السكاكي في ذلك، وطريقة عبد القاهر في العناية بإيراد الشواهد، وقد أمتاز في إيضاحه على السكاكي في طريقته بحسن الترتيب، وبوضوح العبارة وجريها على الأسلوب العربي، كما أمتاز على عبد القاهر بالقصد في إيضاح القواعد على ما يليق بأسلوب الكتابة العلمية

ولكن العلماء الذين أتوا بعد الخطيب لم تعجبهم طريقة (الإيضاح) على ما تمتاز به من هذه الميزات العظيمة، وفتنوا أيما فتنة بطريقة (التلخيص) في العناية بجمع القواعد، وإهمال إيراد الشواهد من منظوم العرب ومنثورهم، فوضعوا عليه من الشروح المبسوطة ما لا يحصى، ووضعوا على تلك الشروح شروحاً سموها حواشي، ووضعوا على تلك الحواشي شروحاً سموها تقارير، وجروا فيها كلها على إهمال ما أهمله الخطيب في تلخيصه من تلك الشواهد التي لا يستقيم النظر في هذه العلوم إلا بها، فجاء كل ما كتبوه على هذه الطريقة حشواً لا فائدة إلى في القليل منه، حتى أصبحت طريقة غاية في العقم، وغدت دراسة هذه العلوم بها خالية من الثمرة، عاجزة عن تربية الذوق البياني

وقد أحسنت كلية اللغة العربية من كليات الجامع الأزهر بالعدول عن درس هذه العلوم في التلخيص وشرحه للسعد التفتازاني إلى درسها في الإيضاح وحده، ولكن طلاب هذه الكلية يجدون أنفسهم في حاجة إلى الرجوع إلى هذه الشروح والحواشي والتقارير في كثير من مواضع الإيضاح في سائر أبوابه، فيضطرون بحكم هذه الحاجة إلى الرجوع إليها كلها، واستيعاب النظر فيها، وتضيع بذلك الفائدة المقصودة من إيثار درس الإيضاح عليها

ولا شك أن هؤلاء الطلاب وغيرهم من طلاب هذه العلوم في حاجة إلى شرح على الإيضاح يجاريه في طريقته، ويكمل من شواهد ما لم يكمله، ويزيد عليها ما تدعو الحاجة

<<  <  ج:
ص:  >  >>