المثقفين من أهل الحي أعواناً وأنصاراً، يخطبون ويعظون، ويعلمون ويثقفون - وإذ ذاك يشعر أهل الحي بأن المسجد ضرورة من ضروريات الحياة، يقوم لهم بما تقوم به المدرسة وبما تقوم به المحكمة، وبما تقوم به جمعيات الإحسان، وبما هو فوق هذا وذاك
بل لم لا يكون المسجد معهداً للمرأة كما يجب أن يكون معهداً للرجل، فيخصص مسجد كل حي وقتاً لنساء الحي تعلمّ فيه المرأة واجباتها الدينية والاجتماعية، وتفقه فيه في دينها ودنياها، وترشد فيه إلى طرق إسعاد البيت، وتثار همتها إلى العطف والإحسان وتنظيمهما
فالمرأة الآن محرومة من غذائها الروحي والديني، لأنها بعيدة عن المسجد، حرمت منه من غير حق، وهو سلوتها في الأزمات، وهو منهل عواطفها وغذاء روحها - لقد حرمت المرأة من المسجد، فحرم أبناؤها وبناتها من العاطفة الدينية، لأن الأم - غالباً - هي مصدر هذا الإيحاء، وإذا انحرفت مرة فلم تجد المسجد يهديها ويعزيها، جمحت وغوت؛ فهي الآن بين بيت وملهى ولا مسجد بينهما يذهب ملل البيت ويكسر من حدة الملاهي
هذا هو المسجد كما أتصوره، وكما ينبغي أن يكون - قوي الأثر في النواحي الروحية والاجتماعية والتعليمية، في الرجل والمرأة، قلوب الحي معلقة به، يغارون عليه، ويعملون على ترقيته من حيث نظامه ونظافته وإمامه وخطباؤه، ويرون أنه لهم وهم له، وأن منارته ينبعث منها الإصلاح في جميع نواحيه؛ متعلمو الحي جنوده في نشر الثقافة، وأغنياؤه جنوده في محاربة الفقر، ونساؤه دعاة أبنائهم وبناتهم إليه
هذا هو الوضع الصحيح للمسجد، فأين مسجدنا منا، وأين نحن من المسجد؟
لقد أعتزل الناس واعتزله الناسُ، ولم يشعر شعوراً قوياً بوجودهم، ولم يشعروا شعوراً قوياً بوجوده
نظرت دار الآثار إلى بنائه فعدته (آثاراً) ونظر الناس إلى نظامه فعدوه كذلك (آثاراً) فليس يؤمه - مع الأسف - إلا الطبقة الفقيرة البائسة، أو الموظف الذي أحيل إلى المعاش، أو من تقدمت به السن من عامة الناس. أما الشباب المثقفون ومن أنعم الله عليهم بشيء من رغد العيش فلا يفكرون في المسجد ولا تحدثهم أنفسهم بزيارته، وإن دخلوا لا يعرفوا كيف تؤدى شعائره إلا القليل النادر، كأن السينما والمساجد أقتسما الناس، فخص المسجد بالشيوخ والعجائز والفقراء، وخص السينما بالفتيان والفتيات والأغنياء، وهي حال لا تشعر بأمل،