ووزارة الأوقاف كذلك عدت المساجد (آثاراً)، فهي تسير في تعيين أئمتها وخطبائها وفي مراقبتها سير القرون الخالية كأن الزمن لا يسير
والأئمة والخطباء يعاملون معاملة (الآثار) فهم يقرأون غالباً الخطب التي ألفت في القرون الماضية، فلا نفساً ولا تحيي همه - كل ما فيها (أتقو الله) إجمالا من غير تفصيل. أما ما يحدث بيننا من أحداث، وأما ما نشعر به من مصائب وما ينتابنا من كوارث، فلا دخل لهم فيه، لأن دواوين القدماء لم تنص عليه
ورحبت السياسة بهذا النظر الأثري إلى المساجد فاطمأنت إليه لأنه يخدمها، وإلا فما بالنا نرى المسجد بعيداً عن الناس هذا البعد، هل لو أراد الخطباء غير الإمام أن يخطبوا في المسجد في إصلاح الحالة الاجتماعية أجيب طلبهم؟ وهل لو نظمت محاضرات ثقافية في المسجد للشباب مرة والشواب مرة في الأخلاق والتربية الوطنية تسمح وزارة الأوقاف بذلك؟ أكبر الظن أن لا
الحق أن للناس بعض العذر في الانصراف عن المساجد، فلو عرف الخطباء كيف يكلمون الناس وعرف رجال الدين كيف يصلون إلى قلوبهم، وشعر الناس أنهم يجدون في المسجد متعة روحية وغذاء دينياً واجتماعياً، لتغير الحال وازدحم المسجد بالناس من جميع الطبقات
وقد كان المسجد في الإسلام يقوم بهذه النواحي التي ذكرنا، فالخلفاء ونوابهم كانوا يخطبون في المشاكل الحاضرة - وكانوا يخطبون كلما حز بهم أمر أو عرض لهم مهمّ، وكان المسجد مدرسة للعلماء والمتعلمين والشعراء والمتأدبين، وكان المسجد مكتبة للواردين والمترددين، وكان المسجد مجمع الناس في الأعياد والمواسم، وكان المسجد مكتب الصغار ومدرسة الكبار، ولو سار في طريقة وتأقلم مع الزمن لكان يؤدي كل الخدم الاجتماعية التي أشرنا إليها من قبل ولكن (خلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة، وأتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً إلا من تاب)
هل للأزهر ووزارة أن يتعاونا على إصلاح المسجد ويضعا البرامج له على أنه مرفق اجتماعي كما هو مركز ديني؟؟. . إن إصلاحه على هذا الوضع تقوية للدين، وإصلاح للناس؟