للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

اجتماعية مثل الزواج وتحرير المرأة وغير ذلك؛ ولقد يتبادر إلى ذهن القارئ أنه بزوال هذه الشؤون وحلها ستزول قيمة القصص وتقل أهميتها. على أن هذا الزعم خاطئ، فروح (إبسن) ليست بروح المصلح الاجتماعي فحسب، بل هي قبل كل شيء روح شاعر كان إذا ما فكر في مشكلة اجتماعية ملكت عليه كل حواسه فأصبح لا يرى للعيش قيمة إذا هو لم يهتد إلى حلها وإزالة خطرها

ومسرحيات (برنارد شو) تعالج هي الأخرى موضوعات اجتماعية؛ على أن الفرق بين الكاتبين عظيم، فمعالجة (شو) لموضاعته هي معالجة علمية بحتة، أعني أنها لا تهمه شخصياً بل اجتماعياً - أما مع (إبسن) فهي كما قدمت موضوعات شخصية قبل أن تكون اجتماعية أو عالمية - موضوعات تهمه مباشرة كأنما كان يتعلق بها كيانه ووجوده. وقد كتب (إبسن) مرة يقول: (كل ما أكتبه له علاقة وطيدة بكل ما أحيا خلاله؛ وفي كل قصة أو قصيدة أكتبها أبغي تحرير نفسي وصفاءها). ومن الجلي أن هذا يختلف كثيراً عن تفكير الكاتب الايرلندي الذي يهمه تحرير إنجلترا قبل تحرير نفسه هو؛ وقد كان تحرير النرويج يهم (إبسن) أيضاً، على أن الأهمية لم تأت مباشرة، بل أتت عن طريق نفسه وروحه. ولقد يبدو من حديثنا هذا أن مسرح (شو) أكثر مطابقة للواقع وللروح العلمية الجديدة من مسرح (إبسن)، على أن هذا خطأ وعكسه صحيح. والسبب في ذلك هو أن الناس يختلفون في آرائهم أكثر مما يختلفون في مشاعرهم واحساساتهم - (فبرنارد شو) الذي يعتمد اعتماداً كلياً على الفكرة والرأي، والذي يعيب مسرحياته من الجهة الواقعية كثرة ظهور المؤلف في القصة - سيهرم ويذوي عندما تهرم الموضوعات التي يعالجها وتموت - أما (إبسن) الذي لا يعتمد على الفكرة اعتماد (شو)، والذي لا يجعل من أبطال مسرحه ألاعيب ودمى لا قيمة لها إلا إظهار الفكرة والدعاية لها، بل يجعل منها أشخاصاً آدميين نافذاً إلى أعماق نفوسهم - مظهراً منها ما قد خفى ومضيئاً ما قد أظلم أو قتم - فسيظل حياً ما دام الإنسان والنفس البشرية حية على ما هي عليه

ويرينا (إبسن) أن أعلى أنواع الواقعية في الدرامة كما في كل فن آخر - إنما يعتمد على الخيال القوى الوثاب الذي يستطيع أن يعالج مسائله الشخصية معالجة يفهمها الجميع وتصل إلى كل القلوب حتى لقد تبدو لها وكأنها مسائلها هي لا مسائل الشاعر، ونبضاتها

<<  <  ج:
ص:  >  >>