- كل ما هو شعري نبذاً تاماً كاملاً. ولقد نشأ هذا عن رغبة أصحاب المذهب الجديد في إدخال طرق البحث العلمية في الأدب، إذ يجب أن تكون الملاحظة دقيقة لا تحيز فيها كما يجب أن يكون الملاحظ مختفياً لا أثر لوجهة نظره الخاصة، بل يدوّن كل ما يلاحظه تدويناً صادقاً واضحاً. وقد كتب (زولا) يقول: (لقد ترك الكيميائيون اليوم البحث عن الذهب - على أنهم لو اهتدوا يوماً إلى صنعه، فسيكون دليلهم البحث العلمي الجديد، وإني أشبه نفسي بهم - فأنا أكدّوا وأبحث محولاً إتمام الطريقة الحديثة التي ستهدينا ولا ريب شيئاً فشيئاً إلى الحقيقة كاملة)؛ على أن (زولا) نفسه كان يدرك أن الدرامة لأجل أن تكون فناً، يجب أن تجمع عناصر أخرى غير عناصر العلم. وهو يذهب في كتابة أخرى له إلى أن للواقعية نفسها لوناً شعرياً فنياً لا يستطيع أحد إنكاره، إذ يقول:(من يستطيع أن ينكر أن في حجرة العامل الفقير شعراً أكثر مما في قصور التاريخ جميعاً؟)
ومن ظواهر هذه الواقعية العلمية التي ظلت تسود الدرامة منذ نهضتها في أواخر القرن الماضي إلى عهدنا الحالي ظاهرة التشاؤم والانقباض. والحق أن الواقع والتشاؤم يسيران دائماً جنباً إلى جنب، فالعقل الإنساني يميل إلى صبغ ما يخشى حدوثه بصبغة الحقيقة، وما يرجوه وما يأمله بصبغة الحلم والخيال؛ ولقد كانت آلهة الإنسان الفطري - وقد كان يخافها كل الخوف - أقوى في مخيلته وأوضح شكلاً من حوادث حياته اليومية
أقطاب النهضة الحديثة: أنتوق تشيكوف
تؤكد شخصية (تشيكوف) وجو مسرحياته الخاص وأسلوبها أنه أول الكتاب الحديثين الذي حقق المثل الأعلى للواقية؛ فتشاؤمه ونظرته الخاصة نحو الحياة تبدو كأنها ليست نظرة شخصية خاصة بل نظرة أهل عصره العامة - نظرة الروسي البائس الفقير الذي كان يعيش في روسيا في القرن الماضي. فأنت لا تجد (لتشيكوف) دعاية خاصة يدعو بها أو عقيدة يدافع عنها، بل هو يصور الحياة كما يراها، هادئاً قابعاً مختفياً وراء صورته. . .
هنريك ابسن:
كذلك مسرحيات هذا الكتاب النرويجي هي مثل أعلى للواقعية الحديثة؛ ولو أنها تختلف كثيراً عن كتابات (تشيكوف)، ولقد تبدو قصصه - لأول نظرة - قصصاً تعالج شئوناً