للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

خَيرُ من يُرْجىَ ومن يهَبُ ... مَلِكٌ دانت له العرب

وحقيق أن يُدَانَ له ... من أبوه للنبي أب

ولما عقد الرشيد ولاية العهد لبنيه الثلاثة: الأمين والمأمون والمؤتمن، قال أبو العتاهية:

رحَلْتُ عن الرّبع المحيل قَعودِى ... إلى ذي زُحُوفٍ جمّةٍ وجنود

وراع يراعي الليل في حفظ أمة ... يدافع عنها الشر غير رَقود

بألوية جبريلُ يقدم أهلها ... ورايات نصر حوله وبُنُود

بَحَاَفيَ عن الدنيا وأبقن أنها ... مفارقةٌ لبست بدار خلود

وشدُّ عرى الإسلام منه بفتية ... ثلاثة أملاك وُلاةِ عهود

هُمُ خير أولاد لهم خير والد ... له خير آباء مضت وجدود

بنو المصطفى هارون حول سريره ... فَخيرُ قيامِ حوله وَقُعود

تقلِّب ألَحاظَ المهابة بينهم ... عُيُونُ ظباء في قلوب أسود

خدودُهمُ شَمْسٌ أتت في أهلة ... تبدت لراءٍ في نجوم سُعُود

فوصله الرشيد بصلة ما وصل مثلها شاعراً قط

ثم أنقض عهد الرشيد وجاء بعده عهد أبنه الأمين، وحصل ما حصل من الخلاف بينه وبين المأمون، فاضطرب أمر الدولة، ووجد أبو العتاهية من ذلك ما يساعده على المضي في سبيله من الزهد، واستخدام شعره في دعوة الأمة إليه، وتهوين أمر الدنيا التي فتنوا بها عن الآخرة، ولم يعد يقول الشعر في التغزل والمجون وما إليهما؛ ولكن لم يقطع صلته بملوك العباسيين ولم يتحرج من مدحهم الحين بعد الحين طمعاً في أموالهم. وسنتكلم بعد في أمر ذلك الزهد

حدث عكرمة عن شيخ له من أهل الكوفة قال: دخلت مسجد المدنية ببغداد بعد أن بويع الأمين محمد بسنة فإذا شيخ عليه جماعة وهو ينشد:

لهفي على وَرَقِ الشباب ... وغصونه الخُضْرِ الرِّطابِ

ذهب الشباب وبان عني ... غير منُتَظَرِ الإياب

فلأبكينّ على الشبا ... ب وَطيبِ أيام التصابي

ولأبكينّ من البِلىَ ... ولأبكينّ من الخِضَابِ

<<  <  ج:
ص:  >  >>