وانسربت بسيشيه إلى الجبل القريب المشرف على البحر، وفي نفسها أن تلقي بحمل الحياة من شاهق، فتستريح مما يطيف بها من آلام!
ورآها كيوبيد. . .
وظلت هي ترقب الموج الهائج، وتشهد اليم المصطخب، وتلقي على البطاح نظرة مودع عجلان، وعلى المروج الخضر تحية مأخوذة القلب أسوان؛ ثم صرخت صرخة هائلة، وألقت بنفسها من علٍ. . . . . .
وكأن كيوبيد كان قد أحس بما تعتزمه حبيبته من الانتحار، فدعا إليه صديقه ونجيه زفيروس، آله الريح الجنوبية، وأطلعه على ما يكن من الحب:(لهذه الفتاة التي تكاد تلقي بنفسها من قمة الجبل يا صديقي زفيروس. فإن رأيت أن تكون لك على هذه اليد، أذكرها لك أبد الدهر، فخذ أهبتك، ولا تدعها تغوص في اليم، بل تلقها في يديك الرفيقتين، واذهب بها إلى الجزيرة المقابلة حيث الشاطئ المنظور بالرياحين؛ فدعها ثمة، فقد أعددت لها مستراداً وملعباً. . . . . .)
ولشد ما دهشِت بسيشية إذ رأت طيفاً نورانياً كريماً يبرز من الماء فجأة فيلتقطها في يديه الكريمتين، ثم يترفق بها فيضعها على ظهره العريض الرْحب، كأنه أريكة من أرائك الجنة التي وعد المتقون، ويخوض بها اليم المضطرب فتعنو له الأمواج ويسجد من تحته الثبج، ويصير البحر في لمحةٍ كأنه مرآة صافية ملساء، كأنها صفحة السماء. . .
ويصل إلى الشاطئ المزدهر فيبسم للفتاة ثم يجيبها بتمتمةٍ، وينطلق في البحر الذي يعود إلى سابق اصطخابه واضطرابه. . .
وتجلس بسيشيه على الكلأ فتفرك عينيها مما استولى عليها من ذهول، لترى هل هذا الذي هي فيه حلم، أم هي قد ماتت فعلاً ولكنها دخلت الجنة؟!!
بيد أنها تذكر أن الأرواح فقط هي التي تنفذ إلى دار الموتى؛ وأنه ليس في دار الموتى شمس ولا إياء، وهي تتحسس نفسها فترى جسمها البض الجميل كما هو لم يتغير، وهي ترى أيضاً إلى الشمس مشرقة تغمر بآرادها البر والبحر، وتنشر إياءها في الأكوان جميعاً. . .