للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

القوم طلباً للنجاة من الغرق لقربه من بيوتهم وارتفاعه عن السهل المنبسط الذي أخذ الماء يغمره شيئاً فشيئاً. . .

وإذ تخلصت زوج جسام من وليدها، واطمأنت لنجاته، استطاعت سحب البقرة وراءها واستنقاذ ما حملت على ظهرها من متاع البيت. وحملت أخته أمها العجوز. وبلغوا يخوضون الماء المتدفق خوضاً، معه، وهو حامل طفليه. واستعدوا ليمشوا وراء قافلة القبيلة التي رحلت من مستقرها وقد مسها ضر أليم. وأقبل أثرهم الرجل الملثم حاملاً الطفل الصغير فأنزله إلى الأرض، واقترب حتى قابل جساماً فحل عنه لثامه، ونظر إليه، في ضوء القمر، محملقاً كأنه يقول له:

- (هلا عرفتني؟ فأنا خصيمك طالب ثأر عباس؟)

ولبثا دقيقة ينظر الواحد منهما إلى الآخر، وقد أوشكت أن تثور فيهما نوازع الرغبة في الاقتتال، هذا ليدافع، وهذا ليثأر وينتقم

ونحَّى جسام طفليه عنه في تأن وحذر، ومد يمناه إلى خنجر

بيد أن بداي أخلف ظنه فما زاد على أن هز رأسه، وقال له بصوت أجش:

(اذهب الآن!. . مع السلامة. . خلصت. . ولكن لا تنسى أن لك ساعة أخرى!)

وانكفأ إلى زورقه مسرعاً، تاركاً ثأره وزوجه التي انتبهت إليه آخر الأمر، في حيرة واستغراب

وآب بداي الفايز إلى قبيلته ساكناً هادئاً، فخوراً بالفعلة التي لم يفعل مثلها أحد قبله، إذ أنجد أسرة حين لم يكن له من إنجادها بد، واستحيا لأجلها، ولو إلى حين، نفساً ما كان لها إلا أن تموت

- ٤ -

ومر عام على هذا الحادث. فعادت قبيلة جسام إلى أرضها الأولى، بعد أن زال عنها الماء الذي غمرها أشهراً؛ وأنشأت لها سداً جديداً على ساحلها؛ فجاءها رسل من القبيلة الثانية يسعون بين بداي وجسام بالصلح، ويحملون دية القتيل مالاً وامرأة وهي أخت القاتل، فتزوجها بداي زواج (الفصل) على سنة القبائل الموروثة وتقاليدها

ولم يعد أحد يجرؤ، بعد ذلك، أن يعير الفتى بأنه نام عن ثأره نوم الجبان الذليل

<<  <  ج:
ص:  >  >>