للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في رأسك إلا عقل اسمه الحبل؛ وإن كنت تقتل من ينكر عليك الخطأ، فليس لك إلا عقل اسمه الحديد؛ وإن كنت تحبس من يعارضك بالنظر، ففيك عقل اسمه الجدار. أما إن كنت تناظر وتجادل، وتُقنع وتقتنع، وتدعو الناس على بصيرة، ولا تأخذهم بالعمى - ففيك العقل الذي اسمه العقل.

قال كليلة: وأنا يا دمنة، فلو كنت قائداً مطاعاً، وأميراً متبعاً، لا يعصى لي أمر، ولا يرد عليّ رأي، ولا ينكر مني ما ينكر من المخلوق إذا أخطأ، ولا يقال لي دائماً إلا إحدى الكلمتين: أصبت أصبت؛ ولا يلقاني أحد من قومي بالكلمة الأخرى، رهبة من سخطي رهبة الجبناء، أو رغبة في رضاي رغبة المنافقين، وزعموا أنهم على ذلك قد خلص لي باطنهم جميعاً، وصحت نياتهم كلها - فلو كنت وكانوا على هذا، لأحالني نقصهم إلى نقص العقل بعد كماله، وردتني فسولتهم إلى فسولة الرأي بعد جودته، فأخلق بي أن أعتبر وضعهم إياي في موضع الآلهة هو إنزالهم إياي في منزلة الشياطين، وإلا كنت حقيقاً أن يصيبني ما أصاب العنز التي زعموا لها إنها أنثى الفيل. . .

قال دمنة: وكيف كان ذلك؟

قال: زعموا أنه كان في إحدى خرائب الهند جماعة من العظاء، وكان فيها عضرفوط كبير فملكته الجماعة وذهبت تأتمر عن أمره وتنتهي. فمر بهذه الخربة فيل جسيم من الفيلة، لم يحس بالعظاء، ولم يميز فرقاً بين هذه الأمة وبين الحصى منثوراً يلتمع في الأرض هنا وهنا؛ فنظر العضرفوط كيف يصنع به، وكان قائداً عظيماً، ثم تدبر أمر الفيل، فرآه لا يتحرك إلا بأقدامه ينقلها واحدةً واحدة؛ فقدر عند نفسه أنه لو أزال قدم الفيل عن الأرض زال الفيل نفسه؛ فجاء فاعترض الطريق، ودب دبيبه إلى قدم الفيل؛ فلما رفع الفيل قدمه أهتبل هذه الغفلة منه. . . واندس تحتها، فأندس مقبوراً في التراب! ثم إن العظاء افتقدت أميرها. فلما مضى الفيل لسبيله، ورأت ما نزل بها نفرت إلى أحجارها وإستكنت فيها ترتقب وترربص؛ فدخلت إلى الخربة عنز جعلت تتقمم منها وترتع فيها، ورأتها العظاء فاجتمعن يأتمرن. .

فقال منها قائل: هذه أنثى الفيل. فسألت عظاية منهن: وأين النابان العظيمان؟

قالت الأولى: إن الإناث دون الذكورة في خلقها، والأنثى هي الذكر مقلوباً أو مختصراً أو

<<  <  ج:
ص:  >  >>