للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مشوهاً، ولذلك هن يقبلن الحياة أو يختصرنها أو يشوهنها. أفلا ترين النابين العظيمين البارزين في ذلك الفيل الجسيم، كيف نبتا صغيرين منقلبين فوق رأس أنثاه؟

فقالت واحدة: إن جاز قولك في الرأي فأين الخرطوم؟

قالت الأخرى: هو هذه الزَّنمة المتدلية من حلقها، وهو خرطوم على قدر أنوثة الأنثى. . . .!

قالوا؛ ثم اجتمع رأيهن على أن يملكن أنثى الفيل هذه؛ وان يهبن لها الخربة وأمتها. وسمعت الماعزة كلامهن فقالت: لا جرم أن تكون العنز فيلة في أمة من العظاء، فقد قالت العلماء: إنه لا كبير إلا بصغير، ولا قوي إلا بضعيف، ولا طاغية إلا بذليل؛ وان العظمة أن هي شهادة الحقارة على نفسها، وانه رب عظيم طاغية متجبر ما قام في الناس إلا كما تقوم الحيلة، ولا عاش إلا كما يعيش الكذب، ولا حكم إلا كما يحكم الخداع. وهذه الدنيا للمحظوظ كأنها دنيا له وحده، فحتى جاءت إليه فقد جاءت، وإذا أدبرت عنه من ناحية رجعت من ناحية اخرى، ليثبت الحظ انه الحظ.

وتقدم العظاء إلى العنز فقلن لها: أيتها الفيلة العظيمة، إن قرينك العظيم قد مس أميرنا العضرفوط بقدمه فغيبه تحت سبع ارضين، واننا قد اخترناك ملكة علينا، ووهبنا لك الحربة وما فيها.

قالت العنز: فإني أتهب منكن هذه الهبة، ونعماً صنعتن؛ غير أن بينكن وبيني ما بين العظاية والفيل، وما بين الحصاة والجبل؛ فإذا أنا قلت؛ وإذا أنا أمرت، فأنا أمرت؛ وإذا أنا فعلت، فأنا فعلت. هنا في هذه الأمة كلها (أنا) واحدة ليس معها غيرها؛ لأنه هاهنا في هذا الرأس دماغ فيلة، وفي هذا الجسم قوة فيلة، وفي الخربة كلها فيلة واحدة؛ فلا اعر فن منكن على الصواب والخطأ إلا الطاعة، طاعة الأعمى للبصير. إلا وان أول الحقائق أنني فيلة وإنكن عظاء؛ ومتى بدأ اليقين من هنا سقط الخلاف من بيننا وبطل الاعتراض منكن، وقوتي حق لأنها قوة، وباطلي كذلك حق لأنه من قوتي؛ وقد قال حكماء الفيلة: إن القوي بين الضعفاء مشيئة مطلقة، فهو مصلح حتى بالافساد، حكم حتى بالحماقة، أمام حتى بالخرافة، عالم حتى بالجهالة، نبي حتى بالشعوذة. . . . .!

قالوا؛ وتنكر عليها عظاية صالحة عالمة كانت ذات رأي ودين في قومها، وكن يسمينها:

<<  <  ج:
ص:  >  >>