هذا الروح المصري الذي يتكون من هذه العناصر الثلاثة، هو الذي نشهده الآن عندك وعند كثير من أمثالك المثقفين، وهو الذي نجد في نشره وإذاعته بين المصريين جميعا، وهو الذي سيطبع أدبنا المصري الحديث بطابعه القوي سواء أردنا أم لم نرد. فشخصيتنا المصرية العربية أقوى بحمد الله من أن تمحى أو تزول، والحضارة الأوربية أقوى وألزم من أن نعرض عنها، أو نقصر في الأخذ بحظنا منها. ستسألني: ولكن الأديب؛ من أين يستمد خواطره، ويستلهم وحيه؟ فأجيبك: من هذه العناصر كلها، أو من أي من هذه العناصر شاء، سيكون منّا الأديب الذي يستلهم العنصر المصري القديم؛ أليس بين الفرنسيين من يستلهم اليونان؟ وسيكون منّا الأديب الذي يستلهم العنصر العربي؛ أليس من الفرنسيين من يستلهم الرومان؟ وسيكون منّا أن يستلهم العنصر الأوربي، أليس من الفرنسيين من يستلهم السكسونيين؟ بل من يستلهم الشرق الأقصى، أو الشرق الأوسط، أو الشرق القريب، بلى. والأمر كذلك عند الإنجليز وعند الألمان، وعند غيرهم من الأمم الحية. فأنت ترى أن أمر هذا الروح المصري أيسر من أن يدعو إلى الخوف أو يضطر إلى الحيرة وأكبر الظن أنّ مصدر هذه الحيرة وذلك الخوف إنّما هو اضطراب سياسة التعليم في مصر وقيامها على غير أساس، وسيرها في غير طريق، ولو قد وضحت هذه السياسة واستقامت منذ زمن بعيد لما تساءلنا الآن عن الروح المصري، ولا عن الأدب المصري من أين يستمد الحياة.
أمّا بعد؛ فقد كنت أريد أن أقتصد وأؤثر الإيجاز، ولكن الحديث معك أغراني بالإطالة وحببها إليّ، وأرجو أن لا أكون عليك ولا على غيرك من القرّاء، وأرجو أن تقبل تحيتي الخالصة.