فإن كثير المال والخفض وارف ... قليل إذا حل الغلاء وخيما
- ١٠ -
ولقد بصر بلذع السؤال ومرارته، وألم الاستجداء وحرقته فأهاب بالمحسنين أن يصدروا عن عاطفة، وألا يحرجوا المحروم؛ فأن خير الصنائع ما تنبو بحاملها عن الإهانة، وإن الذي يجود بعد إلحاح وطلب كثير؛ لهو المعدود من البخلاء:
خير الصنائع في الأنام صنيعة ... تنبو بحاملها عن الإذلال
وإذا السؤال أتى ولم يهرق له ... ماء الوجوه فذاك خير نوال
من جاد من بعد السؤال فإنه ... وهو الجواد يعد في البخال
وهو لذلك يربأ بنفسه أن تمديده لذي منة، وأن تبسط لمن يستعذب سؤال المحتاج، أو من يعتز بغناه ليسخر من مسهب معوز؛ فيعف ويود لها البلى قبل سؤال الدنيء اللئيم.
أيا يد ما كلفتك البسط مرةً ... لذى منه أولى الجميل وأنعما
فلله ما أحلاك في أنمل البلى ... وأن كنت أحلى في الطروس وأكرما
- ١١ -
لحافظ - رحمه الله - مذهب في الإحسان، فهو يرى أنه ليس منة وفضلاً يفخر به ذووه، وتعلو به رؤوسهم وتشرف أقدارهم، وإنما هو واجب على المثري أن يؤديه، وحق للفقير يجب أن يوفيه، ودين لا يفر من قضائه إلا مماطل، ولا يهرب منه إلا نذل دنيء. والإحسان في نظره يستطيع كل إنسان أن يؤديه:
بالقول!! يخفف به الألم عن الشاكي، ويثير به همم أولي العزم والمروءة والنجدة.
وبالدمع!! مشاركة للمحزون فيما أحزنه، وللمهموم فيما أفجعه وللمصاب فيما أصابه.
وبالمال!! الذي هو العون في قضاء الصوالح، والجالب للنفع، والدافع للضر، به نقضي الرغبات ويؤدي المطلوب قال في زلزال إيطاليا:
سلام على الأول أكل الذئ ... ب وناشت جوارح العقبان
وسلام على امرئ جاد بالدم ... ع، وثني بالأصفر الرنان
ذاك حق الإنسان عند بني الإن ... سان. لم أدعكم إلى إحسان
(البقية في العدد القادم)