عن تأدية رسالته. فالمواساة ليست بكاء فقط، أو ألماً فحسب، ولكنها: تسرية هموم وتخفيف مصاب، ثم هي فوق ذلك جلب منفعة، وإكساب غنيمة، وليس في مقدوره أن يخدم الفقراء والبائسين إذا ضاق بالحياة وسخط على الدنيا، وأتروى بعيداً، لا يتصل بالحاكمين، ولا يتعرف ما عند المحسنين.
- ٩ -
ولقد عرف أن تخليد الذكر إنما يكون بالإحسان، فهو أبقى على الزمن، وأدوم في التاريخ؛ فأخذ يغري الحاكمين بالعطف على أبناء الشعب والعمل على إسعاده، ولا سيما إن منصب الوزارة ليس دائماً، ولكنها الصالحات والمؤسسات الخيرية أبقى وأكثر دواماً:
إن المناصب في عزل وتولية ... غير المواهب في ذكر وتخليد
وأغرى السراة بالإنفاق على الفقراء، فلقد يكون منهم الزعيم السياسي يخلص الوطن وينقذ البلاد، أو الرئيس الديني يرعى الأخلاق ويحمي الشريعة، أو الشاعر النابغة يهز القلوب طرباً، ويثقف العقول بياناً وحكمة:
أيها المثرى إلا تكفل من ... بات محروماً يتيماً معسراً
أنت من يدربك لو أنبته ... ربما أطلعت بدراً نيراً
ربما أطلعت (سعداً) آخراً ... يحكم القول ويرقى المنبرا
ربما أطلعت منه شاعراً ... مثل (شوقي) نابها بين الورى
ربما أطلعت منه (عبده) ... من حمى الدين وزان الأزهرا
كم قضى البؤس على موهبة ... فتوارت تحت أطباق الثرى
كل من أحيا يتيما ضائعاً ... حسبه من ربه أن يؤجرا
ثم نراه يبين لأولئكم السراة أن لا قيمة للمال إذا لم يعصمنا من الفقر، ولم نؤسس به الملاجئ، ودور العلم، وبيوت الشفاء؛ فإن الدينار نفرح به ما دام في أيدينا، حتى إذا ما دخلنا به السوق كان والدرهم سواء. والمال الكثير إذا حل الغلاء؛ يكون قليلاً يمضي سريعاً.
نهش إلى الدينار حتى إذا مشى ... به ربه للسوق ألفاه درهما
فلا تحسبوا في وفرة العلم لم تفد ... متاعاً ولم تعصم من الفقر مغنما