النوبة فيصب هناك في النيل الهابط إلى مصر). ويقول (وقد وهم فيه كثير من الناس وزعموا أنه من نيل القمر، وبطليموس ذكره في كتاب الجغرافيا وذكر أنه ليس من هذا النيل).
وهذه إشارةً إلى أنه لم يكن يعرف هضبة الحبشة ولا منابع النيل الأزرق. على أنه يتفق مع بطليموس في أنه ينبع من جهات غير منابع النيل في جبل القمر. وهذه المسألة مدهشة، إذ أن النيل الأزرق كان معروفاً منذ أيام أراتستين، وأن هضبة الحبشة كانت مجاورة لبلاد اليمن وذات حضارة، فكيف لم يعلم شيئاً عن منابع النيل الأزرق بينما رسم كل من بطليموس والإدريسي بحيرة تسانا؟
ثم ذكر المحيط الهندي والبحر الأحمر والخليج الفارسي، وقال عنهما: البحران الهابطان، ثم ذكر بوغاز باب المندب والمنطقة المعروفة الآن باسم الأرتريا، ثم تكلم عن التجارة بين اليمن والسويس، وذكر سواكون، وتكلم عن الواحات الداخلة وعين مكانها، وذكر النيل في المنطقة بين المقطم (وجبل الواحات). وذكر بلدة اسنا وأرمنت وأسيوط وقوص وصول، وقال عند الأخيرة يتفرع النهر إلى فرعين: فرع يذهب إلى اللاهون ويقصد بذلك بحر يوسف، ثم ذكر عيذاب.
من ذلك يتبين لنا أن معلومات ابن خلدون عن نهر النيل كانت مستمدة من كتابات من سبقوه إلى هذا الموضوع ومن الرواة كذلك، ولكن يجب أن نعترف بأن ذكاء هذا الرجل ومقدرته العلمية جعلاه يضع هذه المعلومات في قالب يقبل العقل الجزء الأكبر منه. فلقد ذكر بعض الجهات وعلل وجودها أحسن من غيره بكثير، ومع ذلك فإن له عذره، مقدرته العلمية جعلاه يضع هذه المعلومات في قالب يقبل العقل الجزء الأكبر منه. فلقد ذكر بعض الجهات وعلل وجودها أحسن من غيره بكثير، ومع ذلك فإن له عذره، إذ أن السياحة إلى مثل تلك الجهات كانتمن الصعوبة بمكان، ولم يكن هناك آلات دقيقة ولا معدات علمية تساعد على ضبط الأماكن بالدقة، زد على ذلك فان كتابات ابن خلدون جاءت معتدلة خالية من القصص الخرافية بعيدة عن المبالغة والخلط بين المعلومات والمعتقدات.