للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يعرف إلى أي حد يمكن أن يثير بعمله السخط العام.

ونحن من جانبنا يصعب علينا أن نعترف بقانون عقوبات لا يعترف (بالحريات الفردية)، فإنه إذا عدمت هذه الحريات أضحى المشترع حكماً متعسفاً لا غير. وهذا ما حدا برجل مثل رامون فرنانديز أن يقول إن صوغ القانون الشيوعي الجديد، والقانون الفاشستي الجديد (لا يتميز فقط بسحق القانون القديم، وإنما يتميز بسحق الحقوق جميعاً)؛ بيد أنه يجب أن نعترف على رغم إشمئزازنا بأن الهتلريين يقومون بتحويل الحقوق. ذلك أن الشعب هو الذي يرفعونه فوق كل شيء؛ والشعب، لا الفرد، هو الذي يريدون حمايته بادئ ذي بدء؛ وهو تحويل في القيمة يتمشى مع استبدال المبادي الحرة القديمة (بمجتمع دولة عام).

ومن مبادئنا أننا نريد أن تحدث القوانين والظروف دائماً أثرها لصالح الفرد، فإذا عدل قانون، فإننا نطبق عليه أخف النصوص؛ فإذا تطرق الشك إلى ذهن القاضي وجب عليه أن يحكم بالبراءة؛ وكل متهم يعتبر بريئاً حتى يفصل في قضيته، وهذه كلها مبادئ يمقتها الهتلريون.

فهم يصيحون: أليس فظيعاً أن نضع المجرم في ذروة قانون العقوبات؟ وأن نعكف بشغف على درس نفسيته باسم الدفاع عنه؟ لقد انحدر علماء الجنائيات في الأمم الديمقراطية إلى هذا الدرك، أعني إلى درك (الحق الزائف) أو (الحق المعدوم).

والواقع إن ميولنا الفردية تجنح إلى التساهل مع المجرم؛ فمتى حللنا البواعث التي دفعت المجرم إلى ارتكاب جرمه، فقد فهمناها، وعندئذ نعطف على المجرم عطف الإنسان على الإنسان، بل لقد انتهى مشترعونا الجنائيون شيئاً فشيئاً لا إلى تحديد العقوبة، ولكن إلا حب الإصلاح.

وهذه حالة ذهنية لا يسيغها مشرعو الإمبراطورية الألمانية الثالثة؛ فهم يرفضون، لا أن يحكم على بريء - ولكن أن يفلت مجرم من العقاب. وإذا القضاء لم يقدم ترضية كافية لسخط الشعب العادل حينما يطالب بالعقوبة، فإن النظام الاجتماعي يغدو في خطر، وتسري إلى الشعب عوامل الهياج العام.

ومن خواص هذه النظرية تقرير صنوف المشبوهين. وإذا كان القاضي يمثل الشعب حقاً، فإنه في زعم أولئك المشترعين لا يمكن أن يرتكب خطأ قضائياً، ويكفيه دون أن يفتح

<<  <  ج:
ص:  >  >>