علم القراءة الذي تصدر لتدوينه الأئمة الأعلام من المتقدمين.
قال وفي الحق إن تدوين علم القراءة أفاد المسلمين فائدة لم تحظ بها أمة سواهم، وذلك أن البحث في مخارج الحروف والاهتمام بضبطها على وجوهها الصحيحة لتيسير تلاوة كلمات القران على أفصح وجه وأبينه، كان من ابلغ العوامل في عناية الأمة بدقائق اللغة العربية الفصحى وأسرارها، وكانت ثمرة هذا الاجتهاد والجهد أن القراء تشربوا بمزايا اللغة العربية وقواعدها ودقائقها. ومما يؤيد ذلك أن الكثيرين من قدماء النحويين كانوا مبرزين في علم القراءة، كما كان الكثيرين من أئمة القراء كأبي عمرو والكسائي بارعين في علم النحو.
ويرى الناشر أن على كل من يتصدى للنظر في تاريخ اللغة العربية ودرس المسائل التي تتناولها كتب النحويين، أو للبحث في تنوع اللغات واختلافها بحسب الأقطار والأمصار، ينبغي له أن يتتبع علم القراءة والتجويد؛ ومن شرع في درس معاني القرآن، واستقصاء لطائفه واستخراج حقائقه، ثم اعتمد على القراءة الوحيدة التي يجدها في المصحف الذي بين يديه فقط من غير التفات إلى رواية الأئمة الآخرين؛ فقد غفل عن أمر ذي بال أه.
والمؤلف كان شيخ مشايخ المقرئين في الأندلس، رحل في أخذ القراءات عن الأئمة في الشرق (وكان هو من الأئمة في علم قراءة القرآن، وطرقه ورواياته وتفسيره ومعانيه وإعرابه، ولم يكن في عصره ولا بعده من يضاهيه في قوة حفظه وحسن تحقيقه، ونقل عنه أنه كان يقول: ما رأيت شيئاً قط إلا كتبته، وما كتبته إلا حفظته، ولا حفظته فنسيته؛ وكان أيضاً عارفاً بعلوم الحديث وطرقه وأسماء رجاله، وبارعاً في الفقه وسائراً أنواع العلوم) خلف فيما قيل مائة وعشرين مصنفاً، لا يزال بعضها محفوظاً في بعض خزائن الكتب في الغرب والشرق، واعتمد الناشر في طبع كتاب التيسير على ست نسخ منها ما هو في دار الكتب ببرلين وفي دار الكتب في مونيخ وفي خزانة ليدن وبعض خزائن إستانبول.
وكتاب التيسير كما قال فيه مصنفه مختصر في مذاهب القراء السبعة بالأمصار، يتضمن من الروايات والطرق ما أشتهر وأنتشر عند التالين، وصح وثبت عند المتصدرين من الأئمة المتقدمين. افتتح كتابه بذكر أسماء القراء والناقلين عنهم، وأنسابهم وكناهم وموتهم