اسطنبول خرج إلى متنزه اسمه (الكاغد خانه) ومعه النرجيلة يدخن فيها، وجاءت السيدات والأوانس من كل صوب وحدب إلى ذلك المكان النزه. ونظر فوجد بقربه سيدة جميلة رشيقة قد جلست ومعها سيدة أخرى. وحانت من السيدة التركية التفاتة فرأت ذلك الرجل الذي يلبس جبة وقفطاناً وعمة خليلية منهمكاً في كتابة شيء، فحزرت أنه يكتب عنها، فأرسلت السيدة الأخرى إليه وكانت تحذق العربية فسألته عما يكتب، فناولها ما كتبه فقرأت:
ظل قلبي في غزال ... من بنات الترك يُفكرْ
رمت منها الوصل قالت ... سن صقللي هيدا سكتَر
أي أنت ملتح، هلم فأذهب! فأسرعت إلى السيدة التركية وأرتها ما كتبه وترجمت لها بالتركية ما في الكتابة من ألفاظ عربية فسرها ما سمعت، وحلفت بالمحرجات من الأيمان إلا ما حل عندها ضيفاً الليلة
ولما كان بتفتيش السنطة ومركزه القرشية عين ناظراً لورشة التصليحات التي أنشأها المرحوم إسماعيل باشا لإصلاح الآلات المكانيكية، وكان بناؤها سنة بضع وسبعين ومائتين وألف هجرية؛ فمر التميمي بالحدادين يحمون الحديد إلى درجة الاحمرار ثم يفطحونه بمطارقهم. فقال موالياً أوله:
لان الحديد للمعلم والحبيب ما لان
وقد ند عن ذاكرتي باقيه
وله لطيفة وهو بالورشة، فأن المرحوم خلف الله باشا عين مفتشاً لتفتيش السنطة والهياتم؛ فلما استقر به المقام طلب إحصاء بالعمال الذين بالورشة ومرتب كل واحد منهم أو يوميته، فلما نظر في ذلك الإحصاء وجد (خوجة لتعليم العمال القراءة والكتابة وإرشادهم في أمر دينهم، ومرتبه جنيه في الشهر) فقال: هذا الخوجة لا لزوم له. فقال التميمي: إني فكرت فيما فكر فيه سعادة الباشا وأردت رفته ولكني وجدت الرجل يصلي بالناس الصلوات الخمس بالمسجد مجاناً، ويخطب الناس يوم الجمعة والأعياد بلا مقابل، فقلت أتركه الآن حتى يأتي (أبن الحلال) الذي يكون قطع رزق هذا الرجل على يده. والحمد لله سعادتكم، شرفتم ويمكنكم أن تعملوا ما لم أعمله. فقال خلف الباشا: والله لا أكون ابن الـ. . . الذي