الاستعمار، وقام من حولها دعاة الذلة والمسكنة يسندون ماوهي، ويرأبون ما تصدع، ويلونونها بألوان فاقعة تأخذ بأبصار الغفل السذج
هذا إلى أن الروح الجامعية روح عريقة في مصر تضرب إلى حدود بعيدة من تأريخنا العلمي، وتتمثل في ذلك التوثب الفكري المجيد الذي يبدو - في أروع مظهره - في ذلك التراث العلمي الذي خلفه أجدادنا من رجال الأزهر: جامعة العلم ومثابة العلماء مدة من القرون مديدة، جديرة أن تلبسنا ثوب الفخر، وتقوي في نفوسنا الاعتزاز بالروح الجامعية، وتبث فينا القوة على تعزيزها ودفع المعتدين عليها، دون أن تفرقنا في ذلك الأهواء المقيتة، وتوزعنا العصبيات الفارغة. بل كلنا أمام العلم والتاريخ جامعيون: نستمد من روحنا العلمية وتأريخنا الجامعي قوة على قوة وعزة فوق عزة، ونستمسك بجامعيتنا ونستعصم بها من عوامل الضعف أو التسفل، ومن منازعة أهواء الحياة، والتفريط في جانب العلم
فلست أذهب مذهب القائلين بأن الروح الجامعية في مصر وليدة الجامعة الأولى والثانية، أو أنها جاءت إلينا من أوربا مع العائدين إليها من المصريين، أو مع الأساتذة الأجانب القادمين أو المستقدمين؛ فلنا جامعيتنا الأصيلة المنبعثة عن أقدم الجامعات، ولنا تقاليدنا العلمية الصحيحة التي تشبع في أنفسنا الرغبة العلمية وترضي فيها العزة القومية، وتبعث فيها المضاء والحمية، وتعصمنا من مهاوي الروح المدرسية التي يتكاتف ربائب الاستعمار وأبواقه وأنصاره والمخدعون فيه والعمون عنه على تثبيت أقدامها، ونشر سمومها، وتزيينها في أعين الغفل الواقفين عند الظواهر، المفتونين عن الحقائق، في أسماء سمومها ما أنزل الله بها من سلطان: من النظام والجمال ومراعاة الزمن ومسايرة الحياة ومطالب العيش، وما إلى ذلك من العبارات الخادعة
وتلك هي الخدعة التي نخشى أبلغ الخشية وأعظمها أعتلاجاً في القلب أن يقع الأزهر في حبلتها، وأن يتردى في مهواتها. ونرجو أن لا يكون اندفاعه في سبيل الإصلاح والتجدد مغشياً على بصره أن يتنبه إليها، وألا تكون مسايرته لروح العصر صارفة له عن روح العلم وصبغته التي صبغ عليها، وإلا ينسيه جديده الذي يشتد عدواً في طلبه وتحقيقه عن تقاليده العلمية الأولى التي تفخر بها مصر والشرق العربي بله الأزهر نفسه
وأنه لحقيق بالأزهر في وقاره ورزانته، وزمامه بيد الأستاذ المراغي في بصره وحكمته،