وفي أنه يترسم الأستاذ الإمام (قدس الله سره) في خطواته الإصلاحية، ومراميه العلمية
إن الضعف النفسي هو الثغرة التي تنفذ منها الروح المدرسية إلى الأزهر. فما اكثر ما تضيق النفوس بالكمال، وتنوء بتكاليف المثل الأعلى. ولكن الأمر في الإصلاح العلمي يجب ألا ينزل على حكم الضعف، فأن العلم يتطلب بطبيعته القوة المتحكمة، والعزيمة المصممة، كما يجب أن يسمو المصلح فوق الأهواء فلا يداهن فيها، وفوق شهوات النفوس فلا يتألف عليها أو يتملقها
أنا لا أقول إن (العلم زبال) كما كان يقال في الأزهر، فقد تطورت الحياة الاجتماعية تطوراً لا يسيغ ذلك القول؛ ولا أقول إن العالم يجب أن يعيش في صومعة يتابع فيها دراسته، ويوالي فيها تأملاته؛ أو يقنع بالدون من العيش في مقابل طموحه العلمي، فهذا ما لا سبيل إليه مطلقاً؛ ولكني أقول يجب ألا يكون العيش غاية العلم، فأنه متى صار أداة لمرافق الحياة وجب أن يتكيف بما تقتضيه، لا بما يقتضيه البحث العلمي والحقيقة المنشودة. وأي مسخ للعلم وتحويل له عن سبيله أشنع من هذا؟ وأني أعيذ بالأزهر - وله من ماضيه المجيد معاذ ومستعصم - أن يحقر تأريخه، وينكر ماضيه، ويكون صاحب هذه الجناية. ثم لعله مع هذا لا يوفق في تهيئة الترف والرفاهية والحياة الكريمة لرجاله، ويالها من عثرة!
وما أحقه إذن بقول الله جل شأنه: خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين
على أن الحياة لا تضن على الرجل الكريم الذي يبذل نفسه في سبيل العلم بما يضمن له راحة البال، وهدوء الضمير، وكرامة النفس، ومتاع العيش. ومن فوق ذلك كله ما يستشعره من سعادة لا تعد لها سعادة في كل لحظة من لحظات حياته العلمية الموفقة
ولقد أحس بأن الناس بدأوا يمجون ذلك الصنف من المعاهد التي تهيمن على الروح المدرسية. وبدأت الحياة تلفظ هؤلاء الذين أنطبعوا بطابع تلك الروح، فصاروا بالآلات التي تملأ لتفرغ أشبه منهم بالأحياء الذين حيويتهم دائبة على الخلق والإبداع. ولئن لم يتجل هذا المظهر اليوم تجلياً قاطعاً يمتلخ الشبهة، فأن الحياة صائرة إليه، ما من ذلك بد؛ وبين أيدينا مقدماته جلية
فليعرف الأزهر ذلك وليتدبره تدبر الحكيم البصير، ولا يصرفنه المتاع العاجل عن العاقبة القريبة، وعن حسن تفهم الأمور على وجهها الصحيح، وعن النظر في منطق الحياة الذي