ديوانه مقدمة بليغة، كانت وحدها البرهان على أن هذا الشاب النحيل الضاوي الجسد يعرف أين موضعه بين أدباء العربية في غد. . . وما أحاول أن أتكلم عن الرافعي الشاعر الأديب في ديوانه وعن مقدمة ديوانه بأبلغ مما قال عنه العلامة الشيخ إبراهيم اليازجي، وهو يومئذ أديب العصر وأبلغ منشئ في العالم العربي؛ فقد كتب في عدد يونيو سنة ١٩٠٣ من مجلة الضياء، في تقريظ الجزء الأول من ديوان الرافعي ما يأتي:
(وقد صدره الناظم بمقدمة طويلة في تعريف الشعر، ذهب فيها مذهباً عزيزاً في البلاغة، وتبسط ما شاء في وصف الشعر، وتقسيمه، وبيان مزيته، في كلام تضمن من فنون المجاز، وضروب الخيال، ما إذا تدبرته وجدته هو الشعر بعينه. . .
ثم انتقد الأستاذ اليازجي بعض ألفاظ في الديوان، وعقب عليها بقوله:
(. . . على أن هذا لا ينزل من قدر الديوان وأن كان يستحب أن يخلو منه؛ لأن المرآة النقية لا تستر أدنى غبار، ومن كملت محاسنه ظهر في جنبها أقل العيوب؛ وما انتقدنا هذه المواضع إلا ضناً بمثل هذا النظم أن تتعلق به هذه الشوائب، ورجاء أن يتنبه إلى مثلها في المنتظر، فأن الناظم - كما بلغنا - لم يتجاوز الثالثة والعشرين سنيه؛ ولا ريب أن من أدرك هذه المنزلة في مثل هذه السن، سيكون من الأفراد المجلين في هذا العصر، وممن سيحلون جيد البلاغة بقلائد النظم والنثر. . .)
الرافعي وحافظ
لم يكن الشيخ إبراهيم اليازجي وحده هو الذي تنبأ للرافعي الشاب بالمنزلة الرفيعة التي يتبوؤها اليوم؛ فقد نال يومئذ اكبر قسط من عناية الأدباء في عصره؛ وهذه أبيات لشاعر مصر الكبير المرحوم حافظ إبراهيم، بعث بها إلى الرافعي في سنة ١٩٠٦ تدل بنفسها على مقدار احتفال أدباء العصر بهذا الناشئ الجبار:
أراك وأنت نبْت اليوم تمشي ... بشعرك فوق هام الأوّلينا
وأوتيت (النبوَّة) في المعاني ... وما جاوزتَ حدَّ (الأربعينا)
فزنْ تاج الرياسة بعد (سامي) ... كما زانتْ فرائدُه الجبينا
وهذا الصولجان فكن حريصاً ... على مُلْكِ القريض وكن أميناً
وحسبك أن مُطْريَك (ابن هاني) ... وأنك قد غدوت له قريناً