فقال: النساء اثنتان: فأما جميلة تنفر من قبحي، وإما دميمة أنفر من قبحها؛ ولهذا لم يفلح في الغزل والنسيب، ولم يحسن من هذا الباب شيئاً يسمى شيئاً؛ وبقي شاعراً غير تام، فإن المرأة للشاعر كحواء لآدم، هي وحدها التي تعطيه بحبها عالماً جديداً لم يكن فيه. وكل شرها أنها تتخطى به السماوات نازلاً. . .
وتهدم حافظ في أواخر أيامه من أثر المرض والشيخوخة، وكان آخر العهد به أن جاء إلى إدارة (المقتطف) وأنا هناك فلم يرني حتى بادرني بقوله: ماذا ترى في هذا البيت في وصف الأمريكان:
وتخِذتُم مَوْج الأثير بَريداً ... حين خِلتُم أن البرُوق كُسالى
فنظرت إلى وجهه المعروق المتغضن وقلت له: لو كان فيك موضع قبلة لقبلتك لهذا البيت؛ فضحك وأدار لي خده؛ ولكن بقى خده بلا تقبيل. . .
وشهرة هذا الأديب العظيم بنوادره، ومحفوظاته من هذا الفن أمر مجمع عليه؛ وكان يتقصص النوادر والفكاهات ومطارحات السمر من مظانها في الكتب ورجال الأدب وأهل المجون، فإذا قصها على من يجالسه زاد في أسلوبها أسلوبه هو، وجعل يقلبها ويتصرف فيها ويبين عنها أحسن الإبانة بمنطقه ووجهه ونبرات في لسان ونبرات في يده
وهو أصمعي هذا الباب خاصة، يروي منه رواية عريضة، فإذا استهل سح بالنوادر سحاً كأنها قوافي قصيدة تدعو الواحدة منها أختها التي بعدها
وقد أذكرتني (القوافي) مجلساً حضرته قديماً في سنة ١٩٠١ أو ١٩٠٠ وكان (مصباح الشرق) قد نشر قصيدة رائية لأبن الرومي، فتعجب المرحوم الشيخ محمد المهدي من بسطة أبن الرومي في قوافيه، فقال له (حافظ) هلم نتساجل في هذا الوزن حتى ينقطع أحدنا. وكانت القافية من وزن: قدرها، أحمرها، أخضرها الخ، وجعلت أنا أحصي عليهما؛ فلما ضاق الكلام كان الشيخ المهدي يفكر طويلاً ثم ينطق باللفظ ولا يكاد يفعل حتى يرميه حافظ على البديهة، فيعود الرجل إلى الإطراق والتفكير؛ ثم انقطع أخيراً وبقي حافظ يسرد له من حفظه الغريب
أما في لنوادر فالعجيبة التي اتفقت له في هذا الباب أنه جاء إلى طنطا في سنة ١٩١٢