وشاع يومئذ أني أنا الكاتب له؛ وكان الكاظمي على رأس الشعراء فيه، فغضب حافظ لذلك غضباً شديداً، وما كاد يراني في القاهرة حتى ابتدرني بقوله: ورب الكعبة أنت كاتب المقال؛ وذمة الإسلام أنت صاحبه
ثم دخلنا إلى (قهوة الشيشة) فقال في كلامه: إن الذي يغيظني أن يأتي كاتب المقال بشاعر من غير مصر فيضعه على رءوسنا نحن المصريين. فقلت: ولعل هذا قد غاظك بقدر ما سرك ألا يكون على رأسك هو شوقي. . .
وغضب السيد توفيق البكري غضباً من نوع آخر، فاستعان بالمرحوم السيد مصطفى المنفلوطي استعانة ذهبية. . . . وشمر المنفلوطي فكتب مقالا في (مجلة سركيس) يعارض به مقال (الثريا)، وجعل فيه البكري على رأس الشعراء. . . ومدحه مدحا يرن رنيناً
أما أنا فتناولني بما استطاع من الذم وجردني من الألفاظ والمعاني جميعاً، وعدني في الشعراء ليقول إني لست بشاعر. . . فكان هذا رد نفسه على نفسه
وتعلق مقال المنفلوطي على المقال الأول فاشتهر به لا بالمنفلوطي؛ وغضب حافظ مرة ثانية، فكتب إلي كتاباً يذكر فيه تعسف هذا الكاتب وتحامله، ويقول قد وكلت إليك أمر تأديبه
فكتبت مقالاً في جريدة (المنبر) وكان يصدرها الأستاذان محمد مسعود وحافظ عوض، ووضعت كلمة المنفلوطي التي ذمني بها في صدر مقالي أفاخر بها. . . وقلت: إني كذلك الفيلسوف الذي أرادوه أن يشفع إلى ملكه فأكب على قدم الملك حتى شفّعه؛ فلما عابوه بأنه أذل حرمة الفلسفة بانحنائه على قدم الملك وسجوده له، قال: ويحكم، فكيف أصنع إذا كان الملك قد جعل أذنيه في رجليه. . . . . .
ولم يكن مضى لي في معالجة الشعر غير سنتين، حين ظهر مقال (الثريا)، ومع ذلك أصبح كل شاعر يريد أن يعرف رأيي فيه؛ فمررت ذات يوم (بحافظ) وهو في جماعة لا أعرفهم، فلما اطمأن بي المجلس قال حافظ: ما رأيك في شعر اليازجي؟ فأجبته؛ قال: فالبستاني، فنجيب الحداد، ففلان، ففلان؛ فداود بك عمون؟ قلت: هذا لم أقرأ له إلا قليلاً لا يسوغ معه الحكم على شعره. قال: فماذا قرأت له؟ قلت: رده على قصيدتك إليه: شجتنا مطالع أقمارها. قال فما رأيك في قصيدته هذه؟ قلت: هي من الشعر الوسط الذي لا يعلو ولا ينزل