للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكان تمام الشعر الحافظي أن ينشده حافظ نفسه؛ وما سمعت في الإنشاد أعرب عربية من البارودي، ولا أعذب عذوبة من الكاظمي، ولا أفخم فخامة من حافظ؛ رحمهم الله جميعاً

وكان لأديبنا يجل البارودي إجلالاً عظيما، ولما قال في مدحه:

فمُرْ كلَّ معنى فارسيّ بطاعتي ... وكلَّ نَفور منه أن يتودَّدا

قلت له: ما معنى هذا؟ وكيف يأمر البارودي كل معنى فارسي وما هو بفارسي؟

قال: إنه يعرف الفارسية، وقد نظم فيها، وعنده مجموعة جمع فيها كل المعاني الفارسية البديعة التي وقف عليها. قلت: فكان الوجه أن تقول: أعرني المجموعة التي عندك. . .

أما الكاظمي فكان حافظ يجافيه ويباعده، حتى قال لي مرة وقد ذكرته به: (عققناه يا مصطفى!)

وما أنس لا أنس فرح حافظ حين أعلمته أن الكاظمي يحفظ قصيدة من قصائده. وذلك أنهم في سنة ١٩٠١ - على ما أذكر - أعلنوا عن جوائز يمنحونها من يجيد في مدح الخديو، وجعلوا الحكم في ذلك إلى البارودي وصبري والكاظمي. ثم تخلى البارودي وصبري، وحكم الكاظمي وحده، فنال حافظ المدالية الذهبية ونال مثلها السيد توفيق البكري

ولما زرت الكاظمي وكنت يومئذ مبتدئاً في الشعر ولا أزال في الغرزمة قال: لماذا لم تدخل في هذه المباراة؟ قلت: وأين أنا من شوقي وحافظ وفلان وفلان؟ فقال: (ليه تخلي همتك ضعيفة؟) ثم أسمعني قصيدة حافظ وكان معجباً بها، فنقلت ذلك إلى حافظ فكاد يطير عن كرسيه في القهوة

وكان تعنت حافظ على الكاظمي لأنه غير مصري. ففي سنة ١٩٠٣ كانت تصدر في القاهرة مجلة اسمها (الثريا) فظهر في أحد أعدادها مقال عن الشعراء بهذا التوقيع (*). وانفجر هذا المقال انفجار البركان، وقام به الشعراء وقعدوا، وكان له في الغارة عليهم كزفيف الجيش وقعقة السلاح، وتناولته الصحف اليومية، واستمرت رجفته الأدبية نحو الشهر؛ وانتهى إلى الخديو، وتكلم عنه الأستاذ الإمام في مجلسه، واجتمع له جماعة من كبار أساتذة العصر السوريين كالعلامة سليمان البستاني، وأديب عصره الشيخ إبراهيم اليازجي، والمؤرخ الكبير جورجي زيدان - إذ كان صاحب المجلة سورياً - وجعلوا ينفذون إلى صاحب المجلة دسيساً بعد دسيس ليعلموا من هو كاتب المقال

<<  <  ج:
ص:  >  >>