فانتقدت منها أشياء في ألفاظها ومعانيها وأشرت إلى الطريقة التي كان يحسن أن تخاطب بها الإمبراطورة. فكأنني أغضبته؛ فقال: إن الشيخ محمد عبده، وسعد زغلول، وقاسم أمين، أجمعوا على أن هذا النمط هو خير الشعر، وقالوا لي: إذا نظمت فانظم مثل هذا (الشعر الاجتماعي)، ثم كأنه تنبه إلى أنها طريقة يستطيع أن ينفرد بها فقال: إن كل قصائد شوقي الآن غزل ومدح، ولا أثر فيها لهذا الشعر، على أنه هو الشعر
وتتابعت قصائده الاجتماعية، فلقيني بعدها مرة أخرى فقال لي: إن الشاعر الذي لا ينظم في الاجتماعيات ليس عندي بشاعر. وأردت أن أغيظه فقلت له: وما هي الاجتماعيات إلا جعل مقالات الصحف قصائد. . .؟
فالأستاذ الإمام وسعد زغلول وقاسم أمين: أحد هؤلاء أو جميعهم أصل هذا المذهب الذي ذهب إليه حافظ. وهو كثيراً ما كان يقتبس من الأفكار التي تعرض في مجلس الشيخ محمد عبده من حديثه أو حديث غيره فيبني عليها أو يدخلها في شعره. وهو أحياناً رديء الأخذ جداً حين يكون المعنى فلسفيا إذ كانت ملكة الفلسفة فيه كالمعطلة، وإنما هي في الشاعر من ملكة الحب، وإنما أولها وأصلها دخول المرأة في عالم الكلام بإبهامها وثرثرتها. . .
وكنت أول عهدي بالشعر نظمت قصيدة مدحت فيها الأستاذ الإمام وأنفذتها إليه، ثم قابلت حافظ بعدها فقال لي إنه هو تلاها على الإمام، وإنه استحسنها. قلت: فماذا كانت كلمته فيها؟ قال: إنه قال: لا بأس بها. . .
فاضطرب شيطاني من الغضب، وقلت له: إن الشيخ ليس بشاعر، فليس لرأيه في الشعر كبير معنى. قال: ويحك إن هذا مبلغ الاستحسان عنده
قلت: وماذا يقول لك أنت حين تنشده؟ قال: أعلى من ذلك قليلاً. . . فأرضاني والله أن يكون بيني وبين حافظ (قليل)، وطمعت من يومئذ
وأنا أرى أن (حافظ إبراهيم) إن هو إلا ديوان (الشيخ محمد عبده)، لولا أن هذا هذا، لما كان ذلك ذلك
ومن أثر الشيخ في حافظ أنه كان دائماً في حاجة إلى من يسمعه، فكان إذا عمل أبياتاً ركب إلى إسماعيل باشا صبري في القصر العيني، وطاف على القهوات والأندية يسمع الناس بالقوة. . . إذ كانت أذن الإمام هي التي ربت الملكة فيه، وقد بينا في مقالنا في (المقتطف)