ألم تلجأ حظيته التي كان يعبدها إلى السحرة، وتلوث نفسها وجسمها في معاهدهم سعياً إلى إزهاقه؟ أليست مدام دي مونتسبان أم أولاده المحبوبين؟ ومع ذلك فقد كظم الملك العظيم ألمه وتأثره؛ ولبثت هذه الوثائق الهائلة التي تكشف عن عاره في خزائنه السرية أعواماً طويلة حتى أمر بإحراقها بعد ذلك في مدفئه في يوم من أيام سنة ١٧٠٩، أعني بعد هذه الحوادث بثلاثين عاما
كانت (الغرفة الساطعة) حاسمة صارمة في أحكامها، فقد حكمت بالإعدام والتعذيب على ستة وثلاثين متهماً ثبتت إدانتهم في مزاولة التسميم والأعمال السحرية الإجرامية، وذلك من مجموع قدره مائة وثمانية عشر متهماً. ونفذ الإعدام في المحكوم عليهم تباعاً؛ وكان إعدام السحرة يجري بطريق الحرق دائماً. وكانت لافوازان ولافيجوريه ولبساج في مقدمة المحكوم عليهم بهذا الموت المروع. وقد احرقوا معاً في (ميدان جريف). وتصف لنا مدام دي سفينية الكاتبة الشهيرة منظر إحراق الساحرة لافوازان - وقد شهدته بنفسها - وتقول لنا (لقد أسلمت لافوازان روحها للشيطان في لطف). وينقل ألينا الكاهن الذي تولى مرافقة الساحرة إلى المحرقة كلماتها الأخيرة وهي:(إنني مثقلة بأكداس من الجرائم، ولست أدعو الله أن ينقذني من النار بمعجزة، لأن ما سألقاه من الجزاء لا يقاس بشيء مما ارتكبت)
ويقدم إلينا فوليتر في كتابه (عصر لويس الرابع عشر) خلاصة لهذه الحوادث والمحاكمات المثيرة ثم يعلق عليها بقوله: (نستطيع أن نتصور أية إشاعات مروعة أذيعت خارج باريس. بيد أن حكم الإعدام الذي قضي به على لافوازان وشركائها قد وضع في الحال حداً لهذه الأعمال وهذه الجرائم؛ وقد كانت هذه الحرفة المروعة محصورة في شرذمة من الناس، ولم تلوث أخلق الأمة كلها؛ بيد أنها طبعت أذهان الناس بميل سقيم إلى اعتبار الوفيات الطبيعية، نتيجة الجريمة)
والواقع أن هذا الثبت من الآثام والجرائم المروعة يلقي ضياء كبيراً على روح هذا العصر وخلاله - ويؤيد حقيقة تاريخية خالدة، هي أن عصور العظمة القومية، تتكشف في الغالب عن صنوف من الانحطاط المعنوي والاجتماعي تتناسب مع ما تبثه نعماء العصر وترفه من ألوان الفساد الروحي والأخلاقي، ومع ما يذكيه العصر من الشهوات الإنسانية الوضيعة. وقد كان عصر لويس الرابع عشر بلا ريب على ما بلغه من العظمة والبهاء