فتلازما عند الفراق صبابة ... أخذ الغريم بفضل ثوب المعسر!
ثم يضطرب الماء ويموج، فتنطمس الصورة فلا أرى في الماء إلا أشباحاً مبهمة، مهتزة متداخلة، ثم تبين وتضح، فإذا أنا أرى قصر عروة، وقد هيئ وفرش، ودارت به الخدم والعبيد، واجتمع من حوله السراة والأعيان، وهم يتحدثون تبدو عليهم أمارات الملل والقلق، فعل الذي ينتظر شيئاً ويبطئ عليه، وأدنو منهم فأفهم من حديثهم أن القادم صاحب القصر عروة بن الزبير، أحد الفقهاء السبعة، وقد كان في دمشق فأصابته الأكلة في رجله، فأراده الأطباء على قطعها وإلا سرى الداء فأفسد عليه جسده، وقيل له نسقيك الخمر حتى لا تجد ألماً! فقال: لا أستعين بحرام الله على ما أرجو من عافية. قالوا: نسقيك المرقد. قال: ما أحب أن أسلب عضواً من أعضائي وأنا لا أجد ألم ذلك فاحتسبه
قالوا: فما تصنع إذن؟ فأخذ في التهليل والتكبير، وقال: شأنكم بها!
ودخل عليه قوم أنكرهم، فقال: ما هؤلاء؟ قالوا: يمسكونك. فإن الألم ربما عزب معه الصبر، وأنت شيخ كبير!
قال: أرجو أن أكفيكم ذلك من نفسي. فقطعت كعبه بالسكين، حتى إذا بلغ العظيم وضع عليه المنشار. . . فقطعت، وهو يهلل ويكبر. . . ثم أغلى له الزيت في مغارف الحديد، فحسم به. فغشى عليه ثم أفاق وهو يمسح العرق عن وجهه، فلما رأي القدم بأيديهم، دعا بها فقلبها في يده، ثم قال:
أما والذي حملني عليك، إنه ليعلم إني ما مشيت بك إلى حرام. . . .
وأسمعهم يتحدثون كيف دخل ابنه محمد - وهو فتى المدينة جمالاً وكمالاً، وأدباً ونسباً - كيف دخل اصطبل الوليد فرمحته دابة فقتلته، وما يعلم عروة بشيء من ذلك، وكان عروة رجلاً صالحاً قد عاف الدنيا، وانصرف عنه، ولم يرد منها إلا زاداً يقطع عليه الطريق إلى الجنة:
ذكر العتبي أن المسجد الحرام جمع مرة بين عبد الملك أبن مروان وعروة وأخويه عبد الله ومصعب، على عهد معاوية أبن أبي سفيان فقال بعضهم لبعض: هلم فلنمن
فقال عبد الله: منيتي أن أملك الحرمين، وأنال الخلافة