وقد جاءت الأنباء بأن الإيرانيين حذوا حذو الترك في لبس القبعة، ولم يقنعوا بالبهلوية (التي ابتدعوها) فهنيئاً لهم تقليد المقلدين
فلو كان عبد الله مولى هجوتُه ... ولكنّ عبد الله مولى مواليا
وأعجب من هذا وأشأم صيحة سمعناها من العراق تدعو إلى الاقتداء بالفرس والترك فيما صنعوا. وهي دعوة إلى هذا التقليد الأشأم الذي يبدأ في ناحية فيسري سريان العلة في جميع النواحي؛ إذا ضل العرب في الضالين، وتهافتوا مع المتهافتين، فبأي وزر تعتصم الحضارة الإسلامية، وبأي ملاذ يلوذ التاريخ الإسلامي؟ وكيف تثبت الأمم الإسلامية في هذه الزعازع إذا مال العرب وهم العماد، وزلزلوا وهم الأوتاد؟ كيف وهم الحلماء إذا طاشت الأحلام، والراسخون إذا زالت الأقدام؟
ما أحسب العراقيين يستجيبون هذه الدعوة، فيسنوا للعرب أقبح سنة، أو يستبدوا دونهم برأي، وهم الدعاة إلى الأخوة العربية، الغلاة في الحماسة القومية؛ الأمر، كما قلت، هين إذا أدت إليه الروية والاختبار، فليجتمع وفود العرب أو وفود المسلمين كافة في مؤتمر عربي أو إسلامي، ولينظروا فيما يلائم كل إقليم من الأزياء، وما يوافق المدنية الحاضرة من ألبسة، ثم ليختاروا على بينة. وليكن ما يختارونه موافقاً لأزياء أوربا أو الشرق، أو مخالفاً لكل أزياء العالم، فلا حرج في هذا ولا بأس به
لقد لبس العراقيون منذ سنين عمارة سموها الفيصيلية جمعت مزايا القبعة الأوربية والعقال العربي، يسهل خلعها ووضعها، وتحمي الرأس والرقبة والوجه عند الحاجة، وهج الشمس ولفح الهجير، وتفرغ على راس العربي جمالاً وجلالاً، وتتوجه بمجد الماضي والحاضر. فلماذا لا يدعى إلا تعميمها، ويحتج لها بمزاياها؟ ألا أنها اختراع لم تلده قرائح الأوربيين، ولباس لم تقره سننهم؟ إن لم يكن بد من شهادة أوربية فسلوا أهل أوربا العالمين بأحوال بلادكم فسيقولون إنها خير لكم من القبعة، وأجدى عليكم منها. ليت شعري إلام ندعو إلى اليقظة فتنامون، وإلى الحذر فتستسلمون، وإلى العزة فتهنون، وإلى الاستقلال فتتبعون، وإلى الاجتهاد فتقلدون؟
كفى يا قوم بالزمان واعظاً، وبالتجارب هادياً. إنكم في مهب العواصف، ومفترق الطرق،