للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فخذوا حذركم، ونبهوا عقولكم واشحذوا عزائمكم، ولا تصدروا إلا عن بينة، ولا تقولوا إلا عن رؤية، فأنه الحياة أو الموت، والبقاء أو الفناء

الخاتمة

رأى القراء مما قدمت أن الترك الكماليين لم يأتوا بجديد في هذه (النهضة التركية الأخيرة) ولكنهم ساروا على سنن أوربا فأحسنوا وأساءوا. أحسنوا بما أخذوا بأسباب الحياة فاجتهدوا في تعمير بلادهم وإسعاد أهلها، وتوسلوا لمعارك الحياة بعددها فدربوا الجيوش واستكثروا من السلاح وجعلوا أنفسهم سادة بلادهم. وأساءوا بما تبعوا أهل أوربا في أمور هي من نفايات الحضارة، وحثالات المدنية، وبما هجروا من أجل ذلك كثيراً من سنن دينهم القويم، وأخلاقهم الكريمة، وتاريخهم المجيد. وأذكر في هذه الخاتمة ما قاله في أوربا بعض أولي الرأي منذ سنين: قال: (كأن الكماليين بما يفعلون اليوم يقولون يا أهل أوربا! معذرة، لا تؤاخذونا بما فعل آباؤنا فقد حاربوكم جهدهم، وجالدوكم ما استطاعوا، ودافعوكم جهد طاقتهم، وما كانوا ينشرون حضارة أو يدافعون عن حضارة. وهانحن أولاء نعترف بأن الخير في اتباعكم، والشر في مخالفتكم، وإن آباءنا أثموا إذ منعوا عنا خيركم، فاقبلوا الأبناء في جماعتكم، ولا تأخذوهم بذنب آبائهم. هانحن أولاء نحني رؤوسنا إكباراً لكم، ونلوم أجدادنا من أجلكم.)

وبعد. فهذه الكلمات التي كتبتها لا تفي بهذا الموضوع العظيم، ولا بد أن يتعاون الكتاب والمفكرون في هذه السبيل حتى يجلوا عن الأمة هذه الغمة، ويدفعوا عنها هذه الفتن المدلهمة، والشبه المضلة، ثم يسيروا بها على المحجة البيضاء إلى الغاية المجيدة. فإنما نحن في فتن لا عذر فيها لمقصر ولا حجة فيها لمتهاون

وما أردت بما كتبت إلا وجه الله، والله هو الحق المبين. وهو حسبنا ونعم الوكيل (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.)

عبد الوهاب عزام

<<  <  ج:
ص:  >  >>