من ديوانه سنة ١٩٠٣ وأهدى منه نسخة إلى الأستاذ اليازجي - أبطأ في الكتابة عن الديوان؛ فسأله هذا الأديب الفاضل في ذلك الوقت فقال: لقد قرأت مقدمة الديوان فأكبرت أن يكون كاتبها من عصرنا؛ فأنا منذ أسبوعين أبحث عنها في مظانها من كتب العربية، مما أخادع نفسي في قدرة هذا الشيخ على كتابة مثلها. فقال له: إنه ليس بشيخ، بل هو فتى لم يبلغ الثالثة والعشرين. .
وليس عجيباً أن يكون هذا كلام اليازجي، فقد برهن الرافعي من بعد ألف برهان على ذاك. وإنما كتب هذه المقدمة وعني بها حتى جاءت ما جاءت، ليعارض بها مقدمة حافظ لديوانه الذي نشره قبل ذلك بقليل؛ وكان لمقدمة حافظ هذه حديث طويل، حتى نسبها بعضهم يومئذ إلى المويلحي؛ ولكن مقدمة ديوان الرافعي جاءت بعدها تقطع قول كل خطيب؛ واحتفل بها (المؤيد) أيما احتفال فنشرها في صدره، والمؤيد يومئذ جريدة العالم العربي
بين الجديد والقديم:
ثم بدأ الرافعي يميل عن الشعر رويداً رويداً حتى هجره منذ عامين، لم ينظم فيهما غير قصديتين اثنتين نشرتا له في مجلة المقتطف. وإنها لخسارة كبيرة أن ينصرف الرافعي عن الشعر ويترك ميدانه خالياً. . على أنه لم يهجر غير الشعر المنظوم، وهذه كتاباته المنثورة ضرب من الشعر أفسح مدى وأبعد غاية، وإنه لينشئ بها أدباً جديداً في العربية على رغم ما يتهم بالتقليد والمحافظة على القديم؛ بل معانيه كما قال الأستاذ الدكتور منصور فهمي في تقريظه رسائل الأحزان:(إنها من آخر طراز بأني من أوروبا. . .) على أن الرافعي إلى ذلك ليس له حظ من لغةٍ أجنبية، ومعرفته الفرنسية لا تجدي عليه اليوم أكثر مما كانت تجدي عليه يوم كان يتعلمها بالمدرسة وهو غلام!
وللجديد والقديم حديث طويل في تاريخ الرافعي؛ فهو قد وقف نفسه على الدفاع عن الدين والحفاظ على لغة القرآن. ذلك مذهب درج عليه وأعانته عليه نشأته وتربيته؛ وهل يأخذ أحد عليه هذا المذهب أو ينكره؟. . فهو إنما (يحرص على اللغة من جهة الحرص على الدين، إذ لا يزال منهما شيء قائم كالأساس والبناء، لا منفعة فيهما معاً إلا بقيامهما معاً. . .) وإنه بسبيل ذلك ليسأل: ما الجديد وما القديم؟
لو أنهم يعنون بالجديد الابتداع والطرافة بمقدار ما يتطور الفكر، أو الإنشاء والابتكار على