للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مقدار ما ينفعل الزمن في احساسات أهله، أو التنويع والخلق على قياس ما يزيد في المعاني ويستجد من انفعالات النفس - لو أنهم يعنون بالجديد شيئا من ذلك، أو كل شيء من ذلك، لوجدوا الرافعي مجدداً مع المجدين؛ يل لما كان لشيء من هذا أن يسمى جديداً، لأنه حكم الزمن وسنة التطور من قديم. . أما أن يكون التجديد هو ابتداع لغة ليست من اللغة، وإنشاء دين من شهوات النفس لا من وحي السماء، والتزوير على التاريخ القديم باختراع تاريخ من الأحلام - أما أن يكون ذلك كذلك فما هو التجديد، ولكنه التبديد الذي يوشك أن يتبعه الفناء. . .!

في النقد:

هذا هو الرافعي في موقفه من الجديد والقديم؛ وما نحب أن ننتهي منه حتى نعرض لأسلوب الرافعي في النقد؛ فما نعرفه ناقداً عنيفاً إلا حين يتناول الجديد والقديم؛ وإذا نحن تدبرنا ما أسلفت من تلخيص رأيه في الجديد والقديم، ومن مقدار حماسته في الذود عن الدين والعربية - عرفنا لماذا يؤثر الرافعي ذلك الأسلوب العنيف في مهاجمة خصومة والطعن عليهم، إذ هو لا يعتبر حينئذ إلا شيئاً واحداً، هو الدفاع عن الدين وتراث السلف، مؤمناً بأنك (لن تجد ذا دخلة خبيثة لهذا الدين إلا وجدت له مثلها في اللغة. . .) وأنت لا ترى الرافعي مرة يأخذ في أسباب النقد ليدفع كيداً يراد باللغة والدين، إلا كما ترى البدوي الثائر لعرضه، يطرح كل اعتبار من دون هذا الشرف المثلوم؛ فمن ثم يكون في كلامه معنى الدم. . .

على أن الرافعي إلى شدته وعنفوانه، ناقد بصير بأساليب النقد، مم عالج من مختلف فنون الأدب، ووقف على أسرار العربية؛ من ذلك لما كتب المرحوم السيد مصطفى لطفي المنفلوطي مقالته عن الشعراء ونشرها في مجلة (سركيس) سنة ١٩٠٣، كتب المرحوم حافظ إبراهيم إلى الرافعي يقول: (. . . . قد وكلت أمر تأديبه إليك. . .!)

وقد تعجب أشد العجب أن ترى الرافعي ينسى حين يجرد قلمه للنقد كل اعتبار مما تقوم به الصلات بين الناس؛ ولكنه هو يعتذر من ذلك بقوله: (. . . إنما نعمل على إسقاط فكرة خطرة، إذا هي قامت اليوم بفلان الذي نعرفه، فقد تكون غدا فيمن لا نعرفه؛ ونحن نرد على هذا وعلى هذا برد سواء، لا جهلنا من نجهله يلطف منه، ولا معرفتنا من نعرفه تبالغ

<<  <  ج:
ص:  >  >>