فيه. . . فان كان في أسلوبنا من الشدة، أو العنف، أو القول المؤلم، أو التهكم، فما ذلك أردنا، ولكنا كالذي يصف الرجل الضال ليمنع المهتدي أن يضل، فما به زجر الأول، بل عظة الثاني. . .)
وقد خسر الرافعي كثيراً بالأمساك على مذهبه ذاك، ووضع نفسه بحيث تنوشه من كل جانب سهام مسددة، وألب عليه كثيراً من الخصوم؛ ولكنك لن تسمع منه أبدا كلمة الندم، وتراه على تربص دائم لكل (ذي دخلة للدين والعربية. . .) وهو ضرب من التضحية والشجاعة يدعو إلى الإعجاب
وكما ترى هذا الموقف للرافعي من دعاة الجديد في الأدب، ترى له موقفاً قريباً منه من دعاة الجديد في الأخلاق والاجتماع؛ فله آراء في الاختلاط، والحجاب، والتعليم، والحرية، والحب والزواج؛ تراها منبثة في عديد الكتب والمقالات؛ ولكن قليلاً من القراء من يستطيع أن يفهمها بروح مجردة من هوى، ليعرف أي مذهب في الاجتماع يدعو إليه الرافعي؛ وله في هذه المقالات روح رفافة، وشعر ساحر، وحجة قوية؛ وهو فيها من أنصار المرأة عند من يعرف أين يكون انتصار المرأة؛ ولست واجدا أحداً يرد عليه رأيه في ذاك على قلة من تجد من أنصاره؛ وقد جلست مرة إلى أديب كبير ومرب فاضل، نداول الرأي في أدب الرافعي ومذهبه الاجتماعي، فقال لي:(إنك لن تجد أحداً من أنصار الجديد يرضي هذا المذهب، ولكنك لن تجد أحداً - أيضاً - يستطيع أن يصاول الرافعي في ميدانه بمثل حجته وقوة إقناعه. . .)
الرافعي والمرأة:
وإذ تكلمت عن مذهب الرافعي في الاجتماع، فإني أقف قليلاً لأتحدث عن الرافعي والمرأة
وعجيب أن يكون الرافعي صاحب (إعجاز القرآن، وأسرار الإعجاز، والبلاغة النبوية، والإنسانية العليا، وسمو الفقر؛ والمحدث، المفسر، المتصوف، الذي يصف عن عصر النبوة، ومجالس الأئمة، وكأنه يعيش في جوهم وينقل عن حديثهم؛ والذي تتصل روحه فيما يكتب من وراء القرون بروح الغزالي، والحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وغيرهم وغيرهم من أئمة السلف - عجيب أن يكون هذا الرافعي هو صاحب (رسائل الأحزان، والسحاب الأحمر، وأوراق الورد، وسمو الحب، واليمامتان، وسحر المرأة، والطائشة،