للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تختلف، عن الرجل من هذه الناحية، فلا بد لها من غذاء عقلي ومعنوي أيضاً، ولما كان التكافؤ العقلي بين الجنسين أصبح من الأمور المسلم بها، وجب إذن أن يتغذّى عقل المرأة كما يتغذى عقل الرجل حتى تصل إلى حظ مثل حظه من الثقافة. نعم لا مفر الآن من تثقيف المرأة بالطريقة التي تتبع في تثقيف الرجل، إذ أصبح من الجلي الآن إن الطريقة القديمة لتعليم الفتاة لم تنتج غير مخلوق ناقص من نواح كثيرة، بدليل هجران الرجل لمنزله في كثير من الأوقات، لأن شريكة حياته تعجز عن أن تمده بالنصح والمعونة، كما تعجز عن جعل دارها مهبطاً للجمال والتسلية. أقول هذا القول وأشعر إنني لو قلته في بلد آخر متمدن غير مصر، لنظر الناس إليّ بمنتهى الدهشة، نظرتهم إلى من يخبرهم مثلاً إن النهار في الصيف أطول منه في الشتاء، ظاناً إنه يذكر لهم أمراً طريفاً!. . ولكن مصر التي سارت بخطى واسعة جداً في نواح كثيرة من نواحي التقدم والرقي مازالت تتردد في قبول بعض المبادئ التي تعد أساس الرقي الصحيح وعنوان الحضارة، أعني مساواة المرأة بالرجل في الحقوق وخصوصاً الثقافة.

وليس الغرض الرئيسي من تعليم الفتاة كما يظن الكثيرون تأهيلها لمزاولة مهنة من المهن كالمحاماة أو الطب أو الهندسة، وإنما الأهم أن تصل إلى حقها الطبيعي من اعتيادها التفكير المنظموإكسابها خلق الاعتماد على النفس والاعتداد بالكرامة، وذلك لا ينشأ إلا عند تبيّن مبلغ المقدرة الشخصية والاستعداد. ولا ضير إذا هي لم تستخدم تلك المعلومات بالذات في حياتها المنزلية إذ الغرض الأساسي من التعليم كما يقول أفلاطون في (الجمهورية): توجيه الروح إلى النور باعتياد التفكير المنتجوبالابتعاد زمناً ما عن قيود الماديّات. والواقع إننا نحط من شأن التعليم كثيراً إذا نظرنا إليه قبل كل شيء كوسيلة لتحقيق غرض مادي. فالتعليم يجب أن يعتبر غرضا في ذاته قبل أن ينظر إليه بتلك النظرة المادية سواء في حالة تعليم المرأة أو تعليم الرجل. سأل مرة أستاذ في إحدى الجامعات الكبرى تلميذه لماذا يتعلم تعليماً جامعياً ولم اختار التاريخ لفرع تخصصه. فكان جواب الطالب الصريح مما أهاج الأستاذ الذي لم ير مغضباً من قبل. وذلك انه أجاب إنما يتعلم ليحصل على درجة عالية تمكنه من الحصول على وظيفة تضمن له رغد العيش. . . ثار الأستاذ وغضب لأنه شعر أن تلميذه لا يتعلم لوجه العلم، وعلى ذلك فهو يفقد أهم شروط التهذيب الصحيح.

<<  <  ج:
ص:  >  >>