للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فبغير هذا الشرط لا يمكن أن يمتزج العلم بالنفس أو بعبارة أخرى لا يمكن أن تحدث الثقافة. وعلى ذلك تكون المرأة امتن ثقافة وأعمق تهذيباً لو تعلمت تعليم الرجل لأنها في الغالب تتعلم العلم فيكون لإنتاجها مظهر جذاب لأنه بعيد عن المؤثرات المادية التي كثيراً ما تعترض تقدم الرجل. إلا أن ثقافة المرأة لا تكمل ولا يصبح لها أثر محسوس إذا علمناها علوم الرجل بينما تحرم مما يستمتع به من حرية وإرادة مستقلة، وتحاط بسياج من التقاليد العتيقة والرقابة الخانقة، فهي في هذه الحال تقول بمرارة: من لي بعيش الأغبياء. . . كما أنه لا يمكن أن يصدر عنها ثقافة عالية، إذ ينقصها بسبب قيودها الشخصية والابتكار والصراحة والنظرة العلمية. . وهكذا تبدو ثقافتها مبتورة وان تناهت في الظرف وتألق فيها الذكاء الباهر.

وهنا قد يسأل سائل: وما مبلغ أثر التعليم المنزلي في ثقافة المرأة؟ إني وإن كنت أريد تعليم المرأة تعليماً عالياً ابتغاء وجه العلم، أو استعداداً للعمل فلست ممن ينكرون ما للتعليم المنزلي من أهمية في ثقافة المرأة. وهو لا ينفعها عملياً فحسب، وإنما لهذا التعليم أثر جميل في إنتاجها العقلي أو مظهر ثقافتها. وقد كان يقال عن (جين أوستن) الكاتبة الإنجليزية التي اشتهرت ببراعة الأسلوب وسمو الخيال ودقة التحليل إنها إنما اكتسبت الطلاوة في التعبير، والدقة في التفاصيل، من تدريبها الطويل على استعمال الإبرة والمنسج. والواقع أن مثل هذا التعليم يكسب المرأة المقدرة على مراعاة النسب ودقة الأسلوب ودقة الحساسية، وكل ذلك يبدو واضحاً إلاّ أن ما يعترض عليه بشدة هو تضحية التعليم العام من أجل هذا التعليم المنزلي، بحجة عدم استخدامه عملياً في وظيفتها الخاصة. انه لمنتهى الظلم إلاّ ننظر إلى المرأة كإنسان له حق كامل في الحرية والتعليم قبل أن ننظر إليها كأم أو دمية منزل، بل أن منتهى الاستهتار بمواهب المرأة أن نكتفي منها بالقشور دون اللباب، فلا نحاسبها على عدم تعمقها في التعليم وإنما ننظر إليها نظرة كنظرة أهل العصور الوسطى، الذين كانوا لا يطلبون من المرأة أكثر من اتصافها بالعفة والصيانة. أما الصفات الأخرى كالذكاء وبُعد النظر والشجاعة والصراحة فلم يكن عليها إقبال يذكر؛ وإنما الاستكانة والخشوع كانا من أهم مميزات الكمال النسوي في تلك العصور. ولقد كانت (جرزلدا الصبور) التي تحملت مرارة هجر الزوج وقسوته مثل الفضيلة والأمومة الصالحة

<<  <  ج:
ص:  >  >>