الكتاب الشيخ جمال القاسمي فأنه من مفاخر الشام بالاتفاق، وممن سار ذكر فضائلهم في الآفاق، وليس محمد بك كرد علي بالذي يجهل ذلك أو يقدر أن يماري فيه، وأني لجد مستغرب منه ضيق صدره بثنائي على رجل لا يتمارى أثنين في دمشق الشام في كونه من أفذاذ هذا العصر ومن العلماء الذين تحتج بمثلهم دمشق في كل مقام مباهاة
فأنا لم أكتب عن الشيخ جمال القاسمي إلا ما أعلمه وأعتقده، وإذا كان أخونا كرد علي يسمي ذلك (تمجيداً) فأن التمجيد في محله لا يكون موضع نقد، فأن لم يمجد الإنسان مثل الشيخ جمال القاسمي في علمه وإحاطته، وقوة حجته، ودماثة خلقه، ورقة طبعه؛ وسائر ما أمتاز به من خلال الخير الكثيرة، فيكون هو المقصر، وهو الذي يستحق النقد. ما كنت أحب أن يغمز الأخ كرد علي بي في مسألة كهذه، ولا أعلم لماذا فعل ذلك؟ وأما من جهة التأليف نفسه فأن الأستاذ الأكبر السيد رشيد رضا قد أعطاه حقه في إحدى المقدمات الأربع التي أشار إليها حضرة الأخ، وقد ذكر كل ما يلزم من بيان مزايا الكتاب وقال أنه لا يعرف كتاباً مثله في موضوعه وسيلة ومقصداً ومبدأ وغاية، ونظن أن السيد رشيد رضا هو من يضع الهناء موضع النقب، ولا يكون مخالفاً للواقع إذا قلت أنني أنا والأخ كرد علي لا نقدر أن نتكلم في علم الحديث إذا كان السيد رشيد رضا قد تلقف فيه كرة البحث
وبعد هذا فلست أرى ما يراه الأخ من أن القاسمي جمع جمعاً، وان الجمع في التأليف هو خطة عهد التأخر، بل قد وجد الجمع في كل من عهدي التقدم والتأخر. وفي أوربا اليوم كتب كثيرة لا يزيد فيها أصحابها على الجمع، وهم يتركون الحكم لأرباب النظر، وقد يوجد الإنسان في ظروف زمانية أو مكانية تمنعه من التصريح برأيه ومن الترجيح والترجيح لاختلاف أذواق من يخاطبهم، فيكون الجمع حينئذ هو أمثل الطرق، ويكون كل قارئ قادراً أن يستقي من هذا الجمع ما يستعذبه. فالشيخ جمال القاسمي كان يعلم ما في عصره ومصره من طبقات مختلفة ومنازع متباينة، وكان هدفه ألا يصادم مشرباً خاصاً ولا يحكم لمذهب على مذهب، بل يجمعها جميعا تحت راية الهدى النبوي، وينظم كلام ابن تيمية مثلاً إلى كلام الشعراني والشيخ الأكبر بحيث يكون كل من الطبقتين السلفية والصوفية واجدين في هذا الكتاب طلبتهم. وقد نسى أخونا الأستاذ كرد علي محنة الشيخ جمال القاسمي عام ١٣١٣ عندما اتهم بالاجتهاد هو والمرحوم الشيخ عبد الرزاق البيطار وآخرين من رفاقهما