الماهر، والصائد الحاذق، فما هو إلا أن يضع عينه على فريسته حتى يخلق من الحركات والأفاعيل والأحاديث ما يستلفت النظر، وإذا هو في حديث جذاب مع من أحب
وإلى هنا ينتهي علمه الواسع وقدرته الفائقة
ثم ما الخلق وما الفضيلة وما الحق؟ ليست إلا كلمات اخترعها الأقوياء ليستغلوا بها الضعفاء. ولا بأس من استعمالها أحيانا متى جلبت خيرا أو دفعت ضيرا، ولم يخلق الله أسخف ممن يزعمون أنهم يتمسكون بمبدأ، فليس في الدنيا مبدأ صحيح إلا المبدأ القائل (الغاية تبرر الوسيلة) على أن تفسر الغاية بغايتي لا غية غيري فكن (وفديا) في دولة الوفد، و (شعبيا) في دولة حزب الشعب، و (حرا دستوريا) في دولة الأحرار الدستورين، والعن الكل في دولة أعداءها، وتغنى بمناقبها متى ما كان هذا ينيلك (درجة) أو على الأقل (علاوة)، وأجعل مبدأك مشايعة الزمان، تقبل على من أقبل عليه، وتدبر عمن أدبر عنه - ولا تأخذ شيئا (جدا) فما الحياة إلا لهو ولعب، فان استطعت أن تجعلها كلها (مزحة) أو (نكتة) فافعل فهكذا خلقها الله
صادفته يوما في فندق فلما نزل إلى البهو استلفت نظر الناس بشكله وأناقته ولباسه وأمره للخدم ونهيه، وتحدث بصوت عال قليلا، فإذا ضحك يتصاعد من هنا ومن هنا، وإذا الصوت يرتفع شيئا فشيئا والتفات الناس يزيد شيئا فشيئا وإذا الحديث جذاب، وإذا هو محور من في المجلس وقيد أبصارهم وآذانهم
وشأنه في (المصلحة) التي يعمل فيها شأنه في الفندق، كعبة القصاد ونجعة الرواد يقضي الحاجة لتقضى حاجته، وينفذ أغراض من هو أكبر منه لينفذ أغراضه من هو أصغر منه، وهكذا اتخذ (وظيفته) تجارة، يحسب فيها في دقة ما يشتري وما يبيع، وما يدخل وما يخرج، مقدار الرصيد، وبكم هو دائن وبكم هو مدين
لعل الذي جعل الإنسان ذكرا وأنثى، وجعل منه من يميل إلى الشعر والخيال، ومن يميل إلى الحقيقة والواقع جعل الناس كذلك أحد هذين الرجلين، وكل ما في الأمر أنه يكون (هو) الأول صرفا أو (هو) الثاني صرفا، وقد يكون خليطا منهما، مزيجا بينهما - هما رجل الآخرة ورجل الدنيا، ورجل الفلسفة ورجل المادة، ورجل الأخلاق والمبادئ، ورجل المصالح والمنافع