للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يأتمر رئيسه ولا ينتهي بنهيه متى ما خالف قانونا - والقانون عنده هو القانون الحرفي الذي لا يحتمل تفسيرا ولا تأويلا - من أجل ذلك تعاقب عليه رؤساء مختلفون وتنقل من مصلحة إلى مصلحة والنتيجة واحدة دائما في نظرهم إليه ونظره إليهم - حتى لقد كان رئيسه يوما ما أقرب الناس إليه وأعرفهم به، ورجوت السعادة له أيام رياسته، فما لبثت أن رأيت الصداقة استحالت إلى فتور فكراهية، ثم كان أعدى له ممن لم يكن يعرفه

أما (هو) الآخر فجميل الصورة، ظريف الهيئة، حسن الحلية، ممتلئ البدن، ريان الجسم، واسع البطن، أنيق الملبس إلى آخر حد الأناقة، دقيق الذوق في تناسب الألوان، وتناسق الأشكال، حتى يعد حجة فيما يلبس وما لا يلبس، وما يتناسب وما لا يتناسب، لأنه خبير بأحدث الأزياء بل هو فيها مخترع فنان، يحدثك حديثا مستفيضا عن خير الخياطين ومزاياهم وعيوبهم، ومواضع الإجادة والعيب فيهم

وشيء آخر يجيد ذوقه، ويجيد التحدث فيه، ويجيد وصفه ويجيد نقده، وهو الطعام والشراب، فان أردت أن تعرف لونا من الطعام لا يناسب لونا أو أردت حديثا شهيا عن طعام شهي أو عن المائدة وكيف تنظم وعن بيوت مصر وما يجيده كل بيت من الأصناف فهو في ذلك الذي لا يبارى، وله فوق ذلك العلم الدقيق الواسع في صنوف الشراب، فأيها قبل الأكل وأيها على الأكل وأيها بعد الأكل، وأي ألوان الشراب يصح أن تجتمع وأيها لا يصح، وأي أنواع الشراب تجيده بلاد فرنسا وأيها تجيده ألمانيا وأيها أسبانيا - بل كل هذه معلومات أولية بالنسبة إليه فعنده ما هو أدق في ذلك وأعمق

هذه هي الدنيا وهذه هي الحياة، وهل أنت آخذ من دنياك إلا ما طعمت وما شربت وما لبست

وله كذلك حديث طريف عن النساء وأوصافهن فهو يجيد الحديث عن سحر العيون ورشاقة القد، ولطافة التكوين، وبراعة الشكل، وهيف القوام إلى آخر ما هنالك، ثم يتبع هذا بالكلام عن مغامراته وما شاهده في حياته، كأنه كان له في كل خطوة حادثة نسائية، وفي كل سفر عشق، وفي كل مجتمع غرام - والعشق العفيف، والهوى العذري والحب الأفلاطوني ألفاظ جوفاء لا تدل على شيء إلا على جنون قائلها أو ريائه، ينظر للمرأة نظر الأفعى للعصفور، وله من وسائل الأغراء ونصب الشباك، ورسم الخطط ما يعجز عنه القائد

<<  <  ج:
ص:  >  >>