بطل المأساة الخفي؛ ولكن هذه الكلمة لم يستطع أن يقولها ولم يسمح له بقولها له بقولها يومئذ، وقضت الرسوم والاعتبارات السياسية أن ينوء بالسر حتى مرض موته؛ وعندئذ أفضى به إلى زوجه وأوصاها بنشر مذكراته ووثائقه، وقام بنشرها الكاتب الألماني برنهارد شفر تفجير تحت العنوان الذي اختاره صاحبها لها وهو (الحقيقة عن دريفوس)
ولم يك ثمة شك فيما سيقوله الرجل الذي اشترك بنفسه في حوادث المأساة، وعرف سرها في المهد؛ فقد أكد لنا شفارتز كوبن وهو على شفا القبر، ما كشفت عنه من قبل تطورات القضية الشهيرة، وما اضطر القضاء الأعلى لأن يثبته وأن يعلنه بعد تلك الجهود والمحاولات الفادحة التي بذلها أنصار البريء لإعادة النظر وتحقيق العدالة؛ أكد لنا براءة دريفوس مرة أخرى، وأوضح لنا بما يعرض من الناحية الخفية للحوادث كيف كان القضاء بعيدا عن الحقيقة، وكيف كان المجرم الحقيقي ظاهرا غير بعيد عن يد العدالة، ولكن يتمتع بحماية العسكرية المتعصبة المغرضة؛ ويقدم إلينا شفارتز كوبن فوق أقواله الخاصة طائفة هامة من المذكرات والوثائق الرسمية التي تبودلت بخصوص الحادث، ومنها رسائله إلى قلم أركان الحرب الألماني
وقد أتيحت لنا الفرصة منذ أعوام فرصة لدراسة قضية دريفوس من الناحيتين القضائية والتاريخية، وكتبنا عنها بحثا مستفيضا في كتابنا (ديوان التحقيق والمحاكمات الكبرى) وشرحنا أدوارها السياسية والقضائية المدهشة، وبينا كيف أنها كانت أثرا بارزا من آثار (خصومة السامية) أو حركة العداء ضد اليهودية، فإلى هذا البحث نحيل القارئ؛ ولكنا نرى أن نقدم هنا خلاصة موجزة لأهم وقائع القضية، لابد منها لفهم ما سيجيء من البيانات والتعليقات
في ١٥ أكتوبر سنة ١٨٩٤ قبضت السلطات العسكرية على ضابط بقسم المدفعية هو الفريد دريفوس بتهمة الخيانة العليا، وذلك على أثر ضبط قلم التحريات السرية لوثيقة تتضمن التعريف ببعض أسرار الدفاع الفرنسي، قيل إنها بخطه وإنه قدمها إلى سفارة أجنبية، وقد عرفت هذه الوثيقة فيما بعد باسم (البردرو) وقدم دريفوس إلى المجلس الحربي، وحوكم سرا، وحكم عليه بالنفي المؤبد والتجريد (٢٣ ديسمبر سنة ٩٤)، وكان دريفوس يؤكد بكل قواه أنه بريء من كل تهمة؛ ولكن لم يصغ إليه أحد، وجرت محاكمته بسرعة وتحيز