ظاهر، ونفذ فيه الحكم بصرامة؛ وكان يؤمن ببراءته جماعة من أكابر المفكرين والساسة ويرونه ضحية الخصومة السامية؛ وكان من بين هؤلاء السياسي شويرر كستنر وكيل مجلس الشيوخ وطائفة من أعلام الكتاب مثل أميل زولا، وإيف جيو، وجوزف ريناخ، وجورج كليمنصو، وجوريس، وكاسنياك؛ فأثار هؤلاء دعوة شديدة ضد رجال العسكرية والقضاء الحربي، وطالبوا بإعادة النظر في القضية؛ وبذلت أسرة دريفوس جهودا كبيرة لإنقاذ وتبيان براءته؛ وكان الكولونيل بيكار من رجال العسكرية الذين يشكون في نزاهة القضاء الحربي، فانتهز فرصة انتدابه لرئاسة قلم التحريات السرية، ودرس القضية ومستنداتها المزعومة؛ فأيقن أن دريفوس كان بريئا وضحية واستطاع بعد البحث أن يعرف كاتب (البردرو) الحقيقي وهو ضابط يدعى (استر هازي). ولم تلبث هذه الحقيقة أن ذاعت رغم اضطهاد زعماء العسكرية لبيكار؛ واستغلها أنصار الإعادة؛ فاضطرت السلطات الحربية أن تقبض على استر هازي، وأن تحاكمه تهدئة لثورة الرأي العام، ولكن المجلس الحربي قضى ببراءته، فكانت هذه البراءة نذير فورة أشد من الأولى. وفي ١٣ يناير سنة ١٨٩٨ نشر أميل زولا في صحيفة (الاورور) خطابه المشهور (إني أتهم!) موجها إلى رئيس الجمهورية، واتهم فيه القضاء الحربي في عبارات عنيفة ملتهبة بأنه انتهك قدس العدالة والقانون، وقضى عمدا على البريء، واستعمل الغش والتزوير في إجراءاته؛ فأحيل زولا على محكمة الجنايات بتهمة القذف، وحكم عليه بالحبس عاما وبالغرامة (٣ فبراير سنة ٩٨) ولكنه فر إلى إنكلترا تفاديا من تنفيذ الحكم؛ ولم تفتر جهود أنصار الإعادة مع ذلك؛ ولم تمض أشهر قلائل حتى اعترف الكولونل هنري وهو رئيس سابق لقلم التحريات، بأنه اشترك في صنع بعض الوثائق السرية التي قدمت كدليل على إدانة دريفوس فقبض عليه وسجن، ولكنه انتحر في سجنه، فزاد الشك في إجراءات القضاء الحربي واشتد سخط الرأي العام؛ واضطر عندئذ وزير الحربية أن يحيل الطلب الذي قدمه الضابط البريء بإعادة النظر إلى محكمة النقض؛ وقضت هذه بنقض الحكم (٢٦ سبتمبر سنة ١٨٩٩) وأحيل دريفوس إلى المجلس الحربي في رن، واستقدم من منفاه في جزيرة الشيطان في حالة يرثى لها؛ ولكن المجلس الحربي قضى ثانية بإدانته مع الظروف المخففة وحكم بسجنه عشرة أعوام؛ وأصدر مسيو لوبيه رئيس الجمهورية عفوا عن المحكوم عليه.