الرأي الحديث الذي يقول به بعض الكتاب الفرنسيين، وهو أن شفارتز كوبن نفسه كانت (البردرو) مقلدا فيه خط استر هازي وأنه ألقاه في سلة الأوراق المهملة عمدا لكي يصل إلى قلم التحريات السرية عن يد مدام بستيان وتتم بذلك الدسيسة؛ والواقع أن شفارتز كوبن لم يقف على أمر (البردرو) إلا بعد القبض على دريفوس والحكم عليه بعامين حيث رأى صورة الوثيقة منشورة في جريدة (الماتان) فعرف لفوره أنها من خط استر هازي، وأدرك في الحال روعة الخطأ القضائي الذي ارتكب
وفي الرسائل التي تبادلها شفارتز كوبن مع الكونت منستر سفير ألمانيا في باريس وقتئذ ما يدل على التأثر العميق الذي كانت تتبع به السلطات الألمانية يومئذ تطورات المأساة القضائية؛ وقد لبث الكونت منستر نفسه مدى حين بعيدا عن فهم الحقيقة معتقدا مسؤولية شفارتز كوبن حتى أنه حمل عليه في بعض رسائله بقسوة، واتهمه بأن تصرفاته المريبة كانت أكبر سبب في الحملات الصارمة التي شهرتها الصحافة الفرنسية على ألمانيا، والتي اضطرت حكومة القيصر أن تسعى لدى الحكومة الفرنسية لوقف هذه الحملات؛ وقد وقف الكونت منستر بعد ذلك على طرف من الحقيقة؛ وكان أركان الحرب الألماني يعرفها منذ الساعة الأولى، ويعرفها القيصر أيضا. وكان القيصر يعرف ويثق بأن السفارة الألمانية في باريس لم تتصل بدريفوس قط؛ ولما صرح له الكونت منستر حين مقابلته بأنه لا يشك لحظة في براءة دريفوس، أجابه القيصر بأنه لا يشك فيها كذلك؛ ونجد تفصيل المحادثات والتقارير الرسمية الألمانية المتعلقة بقضية دريفوس في المجلدين التاسع والثالث عشر من مجموعة الوثائق الرسمية التي أصدرتها ألمانيا عن تاريخ ما قبل الحرب. هذا وفي مذكرات الجنرال فون شفارتز كوبن كثير من الوثائق والتفاصيل التي تلقي أكبر ضوء على الحقائق المأساة القضائية الكبرى، وتعرضها في كثير من نواحيها عرضا جديدا مؤثرا
ولقد كانت فورة الخصومة السامية التي بعثت قضية دريفوس، ضربة شديدة لليهودية، استنفدت كثيرا من مواردها وقواها؛ ولكنها كانت لها نذير الخطر والكفاح؛ فقد لبثت اليهودية مدى حين آمنة مطمئنة في ظل الديموقراطية الظافرة؛ ولكنها أفاقت مذعورة من هذه الدعة الظاهرة، ونهضت تكافح طغيان القومية والعسكرية والكنسية معا؛ وكانت هذه اليقظة اليهودية وقود الحركة الصهيونية التي أذكى تيودور هرتسل الكاتب اليهودي