ينزل لما استطاع أن ينزل إلا أن يصير شيئا غير الرافعي لأنه على مقدار عمق الفكرة، يكون عمق الصورة اللغوية التي تتأدى بها، ولن يستطيع كاتب من الكتاب - فيما أرى - أن يرضي الفن ويرضي الجمهور في وقت واحد، حتى لو كان يكتب بلغة العامة، فان الكتابة لغة وفكر، أفتراه أن كتب بلغة العامة، يكتب أيضا بأفكار العامة. . .؟
وقد أخذ الرافعي منذ أكثر من عام يكتب في (الرسالة) نوعا أحسبه جديدا في الأدب العربي، جمع إلى الرافعي طائفة من القراء لم يكونوا يقرؤون له، وعرفه إلى الذين لم يكونوا يعرفونه إلا من خلال ما يكتب عنه خصومه. ولا أدل على قيمة هذه المقالات، من ترجمة بعضها إلى غير العربية، على ما في ترجمة كتابة الرافعي من عنف ومشقة!
وأذكر أن بعض المستشرقين في الألمان يعنى بوضع كتاب بالإنجليزية عن (زعماء الأدب العربي الحديث) بمعاونة الأستاذ طاهر الخميري المغربي، وقد وضع الجزء الأول منه عن خمسة من كبار كتابنا، فلما قرأ مقالات الأستاذ الرافعي في (الرسالة)، كتب إليه منذ قريب رسالة طويلة يثني عليه ثناء بالغا، ويعده بأن يصحح أغلاطه في الجزء الثاني من الكتاب. . . .!
الرافعي القصصي:
لم يكن الأستاذ الرافعي معروفا بكتابة القصة، حتى جاءت قصصه في (الرسالة) برهانا على نوع جديد من عبقريته، وهو يروي أكثرها عن السلف من الأئمة والخلفاء، فما منزلة هذه القصص من الحقائق التاريخية؟. . . هذا سؤال أحسب الكثير من القراء ينتظر الجواب عنه؛ ذلك لأن كثيرا منهم لا يرى للرافعي فيها يدا إلا أن يجليها لوقتها. وأي يد هذه. . .؟
وطريقة الرافعي في كتابة هذا القصص غريبة، فمعظمه لا أساس له من الواقع، أو أن له أساسا لا يلهم هذه القصص الطوال البديعة في خيالها وموضوعها وفنها، وإنما هو يفكر في موضوع الحكمة التي يريد أن يلقيها على ألسنة التاريخ - على طريقته في تأليف مقالاته - فإذا انتهى إلى ذلك تناول كتابا من كتب التراجم الكثيرة بين يديه، فيقرأ منها ما يتفق حتى يعثر باسم ما، فيدرس تاريخه، وبيئته، وخلانه، ومجالسه، ثم يصنع من ذلك قصة لا تزيد على سطور، يجعلها كالبدء والختام لموضوعه الذي أعده من قبل، وإنه ليلهم أحيانا